فالجواب أن قتْل الخطأ أخْفَضُ رتبةً من قتل العمد، لأنَّ المستحَقّ به مالٌ، والمستحَقُّ بالعمد نفْس، فجاز في الخطأ ما لم يجُزْ في العمد.
وأيضا فإن المستحًق، بقتل الخطأ الدية دون القَوَد، فكان لكل واحد من الأولياء أن يحلف، ويستحقَّ نصيبه من الدية، لأنه إنما يحلف على مال، فهو بمنزلة جماعة، لهم قِبَلَ إنسَانٍ دَيْنٌ، فتوجهت عليهم اليمين، فلِمَن لم يَنْكُلْ أن يحلف، ويستحقَّ نصيبَه، وليْسَ كذلك العمد لأن الواجب فيه القَود، وِالقودُ لا يُستحَقُّ إلا باجتماع الأولياء. وكان الشيخ الأبْهري يقول: القياسُ ألَّا يفرَّق بينهما.
المسألة العشرون: قال مالك: إذا سَرَقَ من متاع أهْل الحرب فلا حدَّ عليه، وإذا وَطئ الحربية فعليه الحد، وفي كلا الموضعين فهُوَ انتفاع بمال الحرب.
فالجواب أن أموال أهْل الحرب مباحة، فجاز الانتفاع بها، ولا حدَّ في سَرقتها، وليس كذلك الوطء، لأنه لا يَحِل إلا بنكاح أو مِلْكِ يمين، وإذا وطئ الحربيةَ قبل حصول أحَدِ هذين الوجهين فقد زني، وعليه الحَدُّ.
المسألة الحادية والعشرون: قال مالك رحمه الله: إذا وطِئ أحَدُ الشريكين جارية بيْنَه وبيْن غيره فلا حدَّ عليه، وإذا سَرَقَ أحدُهُما من مال الشركة مما قَدْ أحرِزَ عنه فوق حقِه بثلائة دراهم قُطِع، وفي كلا الموضعين فهُوَ حدٌّ تجبُ إقامته، وله شُبْهَة في الماليْن.
فالجواب أن الوطْء لا يتبعَّض، وله شبهة في الجارية، إذْ هو مالِك لبعضها، فدرأ عنه الحدَّ للشبهة، وليس كذلك السرقة، لأن الحدَّ يجب إذا وُجد القدارُ المحدود، وذلك موجود إذا سرقَ من مال الشركة فوق حقّه بثلاثة دراهم.
فإن قيل: أليس قد قال مالك: إنه يُقطح إذا سرَق من المغنم، ولمْ يُرَاعِ أن يَسرق فوق حقه بثلائة دراهم في النصاب، فلِمَ رَاعاه ها هنا؟ .
فالجواب أن حقه في المغْنَم غير معلوم، فلهذا لم يُراعِه، وليس كذلك في مال الشركة، لأن حقه معلوم، فلهذا راعاه، فافترقا.