للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني أن يقول: اللهم أحْيِنِي أبداً حتى أسْلَمَ من سَكَرات الموت، والله أخبر بأن كل نفسِ ذائقةُ الموت.

الثالث أن يقول: اللَّهُمَّ اجعل إبليس مُحِباً لي ناصحا ولبنى آدم أبدَ الدهِر حتى يَقِل الفساد، والله قد قال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} (١٥).

قلت: لِقائل أن يقول: بل هذانِ القسمان من طلبِ ما لا فائدة في طلبه من حيث العلم بعدم حصول ذلك، ولا كفرَ يلزمُ منهما، ولازمٌ لهما أحدُ المعنيَيْنِ، وليس إلزامُ الكفْرِ بأولى من إِلزام الإِلزام الآخَر، بل إلزام ما قلناه أوْلى، استصحابا للإيمان المعلوم منه بأشياء كثيرة وبالصريح.

القسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفْيَ ما دل القطع العقلي على ثبوته ممّا يُخِلّ بإجْلال الرُّبوبية، وله أمثلة:

منها أن يسأل اللهَ سلبَ قدرته العظيمة حتى يأمَن المؤاخَذَة، (١٦). ومنها أن يَسأل اللهَ تعالى ارتفاع قضائه وقدَرِه. (١٧)

القسْمُ الرابع أن يطلب من الله تعالى ثبوتَ ما دلَّ القاطع العمَلي على نفيه ممَّا يخِل بجلال الربوبية، ولهُ مُثُلٌ:


(١٥) وتمامها {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [فاطر: ٦ - ٧].
وقال ابن الشاط معلِقا على كلام القرافي في هذا القسم الثاني: الكلام على هذا القسم كالكلام على القسم الاول، (أي تعليقه عليه كتعليقه على الأول بما أبداه من ملاحظات وتصحيحات وتصويبات فيه لكلام القرافي).
(١٦) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في ذلك ليس بصحيح، فإن طلب نفى العلم والقدرة ليس طلبا لضدهما، وهُمَا الجهل والعجز كما قال، لجواز غفلة الداعي وإضرابه عنهما، وعلى تقدير عدم الغفلة والإضراب إنما يكون ذلك بالتكفير بالمآلِ، والله أعلم.
(١٧) قالَ ابن الشاط: سبق أن كون أمْرٍ ما كفراً إنما هو وضع شرعي، فإن ثبت أن ذلك كفْر فهو كذلك، وإلَّا فلا، هذا إن أراد أن عين الطلب هو الكفر، وإن أراد أنه يستلزم الكفر وهو الجهل، يكون سلبُ الاستيلاء مما تتعلق به القدرة أو لا تتعلق، فهو من التكفير بالمآلِ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>