للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كانت هذه الأمور مستحيلة في حقه عقْلا كان طلبها من الله سوءَ أدب، لأن ذلك يُعَدُّ فى العادة تلاعُبًا وضحكا على المطلوب منه، والله تعالى يجبُ له من الإجلال فوق ما يجب لخلقه، فما نافى إِجْلالَ خلقه أوْلى أن ينافي جلاله، تعالى عن كل نقص، (٢٩) بل قد عاب الله تعالى جميعَ خَلْقه بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (٣٠) أي ما عَظَّموه حق تعظيمه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا أُحْصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نَفْسك"، أي ثناؤك المستحَق ئناؤك على نفسك. (٣١).

القسم الئاني من المحرَّم الذي لا يكون كفْراً، أن يسأل المستحيلات العاديةَ، إلا أن يكون نبيا، فإن الله يخرق العوائد لهم، كسؤال نزول المائدة من السماء، (٣٢) وخروج الناقة من الصخرة الصماء، (٣٣)، أو يكون ولياً، لهُ مع الله


(٢٩) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي هنا من أن طلب ذلك سُوءُ أدب قد مر جوابه. وما قاله من أنه يجب لله تعالى مِن الإِجلال فوق ما يجب لخلقه، فما نافى إجلال خلقه أولى أن ينافي جلاله من كل نقص، صحيحٌ. غير أن فى كلامه إيهام المشاركة في موجب الِإجلال من جهة اقتضاء أفْعَل، التي هي للمفاضلة.
(٣٠) وتمامها في سورة الزمر. قوله سبحانه، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأنعام: ٩١] [الزمر: ٦٧].
(٣١) عن عائشة رضىَ الله عنها قالت: كنتُ نائمةً إلى جنْب النبي - صلى الله عليه وسلم - ففقَدتُهُ من الليل، فلَمسْتُه، فوقَعَتْ يدي على قدميه وهو ساجد يقول: "أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، لا أحْصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك". رواه الترمذي والنسائي رحمهما الله.
قال ابن الشاط هنا عند هذا الحديث: إن كان الثناء اللائقُ بجلاله تعالى ممَّا يدخل تحت اكتساب البشر ثُم قصَّرُوا فيه، لحِقَهم الذم والعيبُ لأجل ذلك، وإن كان مما لا يدخل فلا يلحقهم ذَمٌّ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
(٣٢) إشارة إلى سؤال ذلك من سيدنا عيسى عليه السلام، حين سأل اللهَ تعالى أن يُنزل على الحَوَارِيَينَ أتباعِهِ المؤمنين به مائدة من السماء، تحقيقاً لسؤالهم وتمنِّيهم ذلك على الله، كما حكاه تعالى في كتابه العزيز بقوله الكريم: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ١١٤ - ١١٥].
(٣٣) وذلك معنى كونها آية من عند الله، ومعجزة لنبيه ورسوله صالح إلى قومه ثمود، كما ذكره الله تعالى في غير ما آية قرآنية. ومن ذلك قولُه تعالى حكايةً عن نبيه صالح عليه السلام، وهو يخاطب قومه =

<<  <  ج: ص:  >  >>