للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عادةٌ بذلك، فلا يكون هذا سوء أدب من الفريقين , أو يكون يريد بسؤاله ذلك أن

يجعله وليا، فلا يكون أيضا قلةَ أدب. (٣٤).

ومثال المحرَّم أن يسأَلَ الله تعالى الاستغناءَ عن التنفس ليسلَم من الاختناق، والعادة دلتْ على استحالة ذلك. (٣٥) ومن ذلك أن يسأل الله العافية من المرض أبد الدهر لينتفع بقواه وحواسِّه أبد الدهر، وقد دلت العادة على استحالة ذلك.

ومن ذلك أن يسأل اللهَ الولَد من غير جماع، والثمارَ من غير أشجار.

ومن هذا اللهم أعطنا خيرَ الدنيا وخيرَ الآخرة، واصرِف عنا شر الدنيا وشر الآخرة، فهذا لا يجوز إلا أن يقصد به الخصوص، إذ لابُدَّ أن يدركه بعض الشر ولوْ سَكَراتُ الموت ووحشة القبر، وقِسْ على هذا نظائره. (٣٦) بل يجب على كل عاقلٍ أن يفهم عوائد الله تعالى في تصرفاته في خلقه، ورَبْطَ المسبَّباتِ بالأسباب في الدنيا والآخرة، مع إمكان صدورها عن قدرته بغير تلك الأسباب، فمن سأل غيرَ عادته في مملكته كان مسيئا الأدب عليه. (٣٧) ولذلك عاب العلماء وغلَّطوا


ويدعوهم إلى الايمان بالله وتوحيده وعبادته {وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} [هود: ٦٤]، وفي آية أخرى: {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأعراف: ٧٣]
(٣٤) قال ابن الشاط هنا: إجازةُ دعاء من ليس بولي بخرق العادة، إجازة للدعاء بخرق العادة، فكل ما أنكره من ذلك فقد أجازه على الوجه الذي ذكره، وإذا أجازه على ذلك الوجه فقد أجازه على الجملة، فلا يصح له منعه بعد ذلك.
(٣٥) قال ابن الشاط: قد أجازَ ذلك على وجه القصد لطلب الولاية. وحكمه بأنه إساءة أدب، دعوى عريَّة عن الحجة. وتكثيره الأمثلة لا حاجة إليه.
(٣٦) قال ابن الشاط هنا: ليس كونُ هذه الأمور واقعةً على وجه الخصوص بموجبِ ألا تُطلَبَ إلا على وجه الخصوص، بل يجوز أن تطلب على وجه العموم، وغايته أن نقول: طَلَب مثل ذلك طلب للممتنع عادة، على معنى أن يقصد الطالب بطلبه أن يصير وليا، فتخْرَقَ له العادة، فقد جَوَّز ما منع.
(٣٧) قال ابن الشاط: لم يأتِ القرافي على دعواه بحُجَّة. وما قال: مِن أنه سوُء أدب من ذلك، وهو طلب خرق العادة، لم يأت على منعه بحجة أصلا، إلا ما أشار إليه من القياس على الملوك، وهو قياس فاسد لاشك في فساده، وقد سبقَ مثلُ هذا الملحظ والتعقيبُ من ابن الشاط على القرافي رحمهما الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>