(٤٢) قال القرافي هنا معلِّلا كون ذلك النوعِ منِ الدعاء محرما: "لأنه طلبٌ عرِيَ عن الحاجة والافتقار إليه، ولو أن أحدنا سأل بعض الملوكٍ أمراً فقضاه له، ثمَّ سأله إيَّاه بعد ذلك عالما بقضائه، لَعُدَّ هذا الطلبُ استهزاءٌ بالمَلِك وتلاعُباً، ولحَسُنَ من ذلك الملِكِ تأدييُهُ، فأولى أن يستحق التأديبَ إذا فعل ذلك مع الله. وكذا لو رأينا رجلا يقول: اللهمَّ افرضْ علينا الصلاةَ وأوجب علينا الزكاة، واجعل السماء فوقنا والأرضَ تحتنا لبادَرْنا إلى الإنكار عليه لقُبْحِ ما صدَرَ عنه من التلاعب والاستهزاء في دعائه، إلا أن يريد هذا الداعى بقوله إن نسينا، أي تركناه مع تعمد، كقوله تعالى خطابا للكافرين في عذابهم يوم القيامة: {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}، أي تركوا طاعة الله فترك الله الإحسان اليهم، فهذا يجوز، لأنَّهُ طلَبُ العفو عما لم يُعلَمْ العفو فيه. قال ابن الشاط هنا معلِقا على هذا الكلام عند القرافي رحمهما الله: لم يأت بحجة على ما ادَّعاه، غيرِ ما عَوَّل عليه من القياس على الملوك، وهو قياس لا يصح، لعدم الجامع، وكيف يقاس المخلوق بالخالق، والربُّ بالمربوب، والخالق يستحيل عليه النقص، والمخلوق يجوز عليه النقص، إلى آخر ما قاله ابن الشاط هنا في هذا الموضوع، فليرجع إليه من أراد التوسع فيه. قلت: هذا تعليق وجيه عند الشيخ ابن الشاط. ويمكن أن يضاف إليه أنه يراد بالنسيان في الآية الكريمة لازمُهُ، وهو إعراض الله عنْهم، وعدم مبالاته بهم، وبما هم فيه من العذاب، وأنه يبعد تفسير النسيان عند البشر بالترك مع العمد، ويبعدُ تأويله بذلك، إذْ النسيان حال وأمرٌ غير إرادي، والعمدُ على عكسه إرادي، فكيف يجتمعان، وهما نقيضانِ، فليتأمل ذلك، وليحقق، والله أعلم. ثم إنه أيضا لا يكاد يتضح ويُفْهَم. المرادُ مِنْ اعتبارِ الدعاءِ بمثل ما ورد في الآية الكريمة المذكورة من قبيل الدعاء المحرَّم، ولا يكاد يُقْبَلُ التمثيلُ به في هذا المقام، فقد ورد به النص في القرآن الكريم، إرشاداً وتعليما في التوجه بذلك الدعاء إلى الحق سبحانه، وذلك كافٍ لجوازه واعتباره من الدعاء الذي هو عبادة، فما قاله القرافي في خصوص الدعاء الوارد في تلك الآية غير مسلم ولا مقبول. واللهُ أعلم، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة وبيان معناها: "أي لا تؤاخذنا إن تركنا فرضاً على وجْه النسيان، أو فعلنا حراما كذلك، أو أخطأنا الصوابَ في العمل، جهلا منا بوجهه الشرعي. =