للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: يَرِدُ عليك أن الله امتدَح قوماً بقولهم: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (٤٣) قلنا: إنما جاز لهم سؤال ما وعَدهم الله تعالى به، لأن حصوله لهم مشروط بالوفاة على الإِيمان، وهذا شرط مشكوك فيه، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط، فما طلَبوا معلومَ الحصولِ، (٤٤) بخلاف مسألتنا، فإنه عُلِمَ في الشريعة ترْكُ المؤاخَذَة بالخطأ والنسيان مُطْلقاً.


= كما أنه لا يكاد يتضح وجه تعارض الدعاء بما تضمنته الآية من ذلك الدعاء مع حديث: "رُفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه"، وهو حديث أخرجه أئمة الحديث: ابْنُ ماجة، وابن حبَّان، والبيهقي والحاكم، والدراقطني، وأورده السيوطي في الجامع الصغير عن الطبرانى رواية عن ثوبانَ رضي الله عنه، ورمز له السيوطي بالصحة (صح)، وأورده الحافظ ابن كثير عند تفسيره لتلك الآية، رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، قالَ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَ اللهَ وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه"، أي إن من رحمة الله بهذه الأمة وفضله عليها ولطفه بها، ومن يُسْرِ دينها وسماحته الرحيمة أن الانسان رُفع عنه الحرج والإثم وعدَمُ المواخَذة فيما يقع له ومنه في تلك الحالات، وذلك في مقابلة المتعمد القاصد للقول والفعل السَّيئ حيث يؤاخذه الله على ذلك، سواء كان فعلا لما يحرم فِعله، أو تركاً لما يجب فعله من الفرائض والواجبات، وغيرها من حقوق الله وحقوق العباد. أما بقية الأمثلة الأخرى غير الآية الكريمة، فيما يتعلق بالتمثيل بها للدعاء المحرم فهى مقبولة ومعقولة، وينطبق عليها تصحيح الفقيه ابن الشاط بقوله: ما قاله القرافي في هذا صحيح، فليتأمل ذلك، وليصحح، والله أعلمُ بالصواب.
(٤٣) سورة آل عمران، الآية: ١٩٤.
ووجْه الورود، كما جاء عند القرافي رحمه الله، هو أن وعْد الله سبحانه لابدَّ من وقوعه، فطلبُ ذلك من باب تحصيل الحاصل، وهو عيْنُ ما نحن فيه، ومَدَحهم الله تعالى، فدَل على جواز ذلك، فلا ينبغي منع ذلك الدعاءِ ومنع التوجه بالطلب والسؤال به إلى الله تعالى.
وقد سبقتْ الإشارة إلى هذا، وتنبيهى إلى أن الدعاء بمضمون الآية الكريمة، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} جائز ومقبول ومشروع، لأنه ورد به النص في هذه الآية مِنَ القرآن الكريم، ولذلك فإنه لا يتعارض مع حديث رفع الخطأ والنسيان والاستكراه عن هذه الأمة، ولا يُعْتَبَرُ الدعاء به من قبيل تحصيل الحاصل، فليتأمل ذلك، والله أعلم.
(٤٤) قلت: اعتبار الوفاة على الإِيمان أمرا مشكوكا فيه بالنسبة لمجموع المسلمين، هو محل نظر وتأمل وروية، إذْ لو كان كل مسلم ومؤمن بالله واليوم الآخر، يشك في ذلك لاضطربَ حاله وشأنه، وتنغَّصَ عيشه وأمره، وأصبح كلَّ همه منصَبا على التفكير في تلك الحال والخوف من سوء المصير، خاصة وهو أمر غيبى استأثر الله به على الإنسان. ذلك أنه بالرجوع إلى عديد من نصوص القرآن الكريم ونصوص أحاديث نبينا المصطفى الأمين، نجدها تدعو المسلم وتهديه، وترشدهُ إلى أن من شأنه، ومن المفروض فيه والواجب عليه أن يعمل ما أمره به الله ورسولهُ، ويجتنب ما نهاه عنه الله ورسوله، فيقوم بالتكاليف الشرعية والأحكام الدينية المطلوبة منه، ويستغفر الله ويتوب إليه =

<<  <  ج: ص:  >  >>