للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتَ: فإذا جوزتَ ذلك بناءً على الجهالة بالشرط فجوِّزه ها هنا بناءً على الجهالة بالشرط، فإنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُخْبِرْ بذلك مطلقاً وإنما أخْبَرَ بالرفع عن أمته، وكون الدّاعي يموت وهو مِن أمته، مجهولٌ، فما طلَبَ إلَّا مجهولاً، بناء على التقدير المتقدِّم.


= توبة نصوحا عندما يصْدر شيء عَنْهُ مِن ذنوب وآثام، أو يَقع منه تفريط أو تقصير في حقوق الله. وحقوق العباد، وبعد ذلك يُحْسن الظن بالله تعالى، ويعتمد عَلى فضله وكرمه، ويعَوِّل عَلَى رحمته وجوده في قبولِ العمل الصالح والإثابة عليه، وفي حُسْن المصير والمآلِ، وحسن العاقبة والختام، ويطمئِنُ كل الاطمئنان إلى ربه الذي لا يُخْلِفُ الميعاد. فإن مَنْ أحسَنَ الظن بالله، وأحسَنَ العمل، كان الله عند حسن ظنه.
ففى الحديث القدسي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الله عز وجل قال: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني ... الخ. وفي حديث آخر صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاث (أي ليال) يقول: "لا يموتُ أحدكم إلا وهو يُحْسن الظن بالله " رواه مسلم وأبو داود رحمهما الله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: حُسْن الظن مِنْ حُسْن العبادة".
وعن عُبادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحَب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كرِهَ لقاء الله كرِه الله لقاءه، فقالت عائشة (أوْ بَعْضُ أزواجه): إنا لَنَكْرَهُ الموت، قال: ليسَ ذاك، ولكن المؤمن إذا حضَره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، وإن الكافِر إذا حضره الموت بُشِّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكرهَ إليه ممّا أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه"، رواه الشيخان وبعض أصحاب السنن رحمهم الله.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على شاب وهو في حال المرض، فقال: كيف تجدُك؟ قال: أرجو الله يا رسُوَل الله، وإني أخاف ذنوبى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاهُ الله ما يرجو وأمَّنَهُ مما يخاف". رواه الترمذي وحسَّنه.
ومن خلال نصوص هذه الأحاديث النبوية يبدو أنه لا منافاةَ ولا تَعارُضَ بينها وبين أحاديث أخرى يُفهَم منها أن المسلم لا ينبغي له الاعتماد على عمله الصالح في حسن المصير والخاتمة، كحديث: "لا ينجِي أحداً منكمِ عملُهُ" كحديث: "فوالله الذي لا إلاه غيره، إن أحدكم لَيَعْمَلُ بعمل أهل الجَنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبقُ عليه الكتاب، فيعملَ بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليَعْملُ بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بِعمل أهل الجنة فيدخلها"، وحديث البخاري عن سهل رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في آخر حديث طويل: إن العبدَ لَيَعْمل عملَ أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم". وقال في حديث أخرجه الإِمام الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما "فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة، وفريق في السَّعير"، وقال في حديث آخر رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، فقيل: كيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت". =

<<  <  ج: ص:  >  >>