فهذه الأحاديث الأخيرة وإن كان الخوْض والتعمق فيها أمراً صعْبا لا يستطيعه إلا العلماء الجهابذة المتمكنون والأتقياء العارفون الواصلون تدُل على أن المؤَمَّل والمعتمد عليه في حسْن الخاتمة هو فضل الله وكرمه، وتفيد أنّ من سَبقت له السعادة في علم الله وأزله، وفيما كتبه على العبد وهو في بطن أمه جعله من أمة الإسلام، وَهداه لصالح الأعمال، وصرف الله قلبه للخير ويَسَّرَهُ لحسن الخاتمة والعاقبة، ولعمل أهل السعادة. ومن سبقت له الشقاوة - والعياذ بالله - كان على عكس ذلك، كما أشار إليه الشيخ العلامة أحمد بن حجر الهيثمى رحمه الله في كتابه فتح المبين لشرح الأحاديث الأربعين للإِمام النووى رحمه الله، فإنّ من أحسَنَ الظن بالله أحسن العمل، وجمع بين الخوف والرجاء، وحَرص على أن يكُونَ ممن قال فيهم الحق سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}، ولذلك رُوِى عن بعض العلماء الصالحين أنه قال: "ما قطَّع أكبادَ العارفين إلا خوفُهم من سوء العاقبة والخاتمة"، ولكن المؤمن يعمل ويدْعو، ويخاف ويرجُو، ويحسن بالله الظن الجميل، ويسأل الله بكامل اليقين أنْ يُقابِله بعفوه سبحانه وفضله العميم، وأن يتقبل منه عمله بما تقبل به من عباده المتقين، فهو تعالى جواد كريم، وبعباده رؤوف رحيم، لا يضيع أجر من أحسن عملا. والله سبحانه أعلم بالحق والصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المرجو سبحانه بفضله وكرمه لنيل الأجر وحصول المتاب، ولحسن العاقبة والختام. فاللهم اجعل آخِر عُمِرنا خيراً من أوله، وخيرَ أعمالنا خواتِمها، وأسعدَ أيامنا يومَ لقائك، واختِم لنا بالسعادة والحسنى التي ختمتَ بها لأنبِيائك ورسلك، ولأوليائك وأصفيائك، وللصالحين المحسنين المخلصين من عبادك وأتقيائِك، بمنك وفضلك يا ذا الجلال والإكرام، يا أكرم الأكرمين، يا أرحم الراحمين، يا ربَّ العالمين.