للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحكام. (٤٥) فعَلَى هذا لا يكون خصوصُ الأمة شرْطا في الرفع، ولمْ يقل أحدٌ: إن الكفار في الفروع أشدُّ حالا من الأمّة، فظهرَ أن هذا المفهومَ باطل اتفاقا، فليس هنالك في النسيان والخطأ شرط مجهول، فيكون الشارع قد أخبر بالرفع فى هذه الأمور مطلقا، فيحْرُمُ الدعاء به. (٤٦)

فإن قلتَ: إنَّ الله تعالى قد أخبَرَ عن قَوْم في الدار الآخرة أنهم يقولون إذا صُرِفتْ أبصارهم تلقاءَ أصحابِ النار: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}. وهؤلاء ليسوا من أهل النار، لقوله تعالى: {صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ}. (٤٧) وقد قامت الأدِلة على أن من يدخل الجنة أو يكون في الأعراف لا


(٤٥) كون الكفار مخاطَبِين بفروع الشريعة من طهارة وصلاة وزكاة وصيام وحج، وغيرها من الأحكام الشرعية المتفرعة عن الإسلام والإيمان بالله ورسوله، أو غيرَ مخاطَبين بها، مسألة خلافية بين علماء الأصول، وفي ذلك يقول العلامة تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي رحمهما الله في كتابه جمع الجوامع في أصول الفقه:
مسألة: (الأكثر (من العلماء) على أن حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في صحة التكليف (بمشروطه)، أيْ فيصح التكليف بالمشروط حال عدم الشرط، وقيل: هو شرط فيها (أي في صحة التكليف) فلا يصح ذلك، وإلا فلا يمكن امتثاله لو وقع.
ثم قال ابن السبكي هنا - وهي (أي المسألة) مفروضة (بين العلماء) في تكليف الكافر بالفروع، أي هل يصحُّ تكليفه بها مع انتفاء شرطها في الجملة من الإيمان، لتوقفها على النية التي لم تصح من الكافر. فالأكثر - يقول شارحه المَحَلِّي - على صحته، ويمكن امتثاله بأن يؤتى بها بعد الإيمان، "والصحيحِ وقوعه أيضا" فيعاقَب على تركه امتثاله، وإن كان يسقط بالِإيمان، ترغيباً فيه. قَال تعالى: {يَتَسَاءَلُونَ (أي أصحاب الجنة واليمين) * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}، وقال سبحانه: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}.
(٤٦) عقب ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ليس ما قالَه شهاب الدين في هذا الجواب وأطال فيه بصحيح، لأن مَساق الحديث (أي حديث: رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرِهوا عليه) مشعِرٌ بالمدح لهذه الأمة، فيتعين لذلك اختصاصُهَا بذلك الرفع، ويَلْزَمُ القوُل بهذا المفهوم لقرينة المدح، ويكون هنا في هذا المقام شرط مجهول كما قاله السائل، ويبطل جوابه، والله أعلم:
(٤٧) سورة الأعراف، الآية ٤٧.
والأعراف لغة، جمع عُرف، وهو كل مرتفع على الأرض، ومن هنا أطْلِق عَلى عَرف الديك العَرف، لارتفاعه.
والمراد بالأعراف في هذه السورة والآيةِ الكريمة، السُّورُ الحائل بين أهل الجنة والنار، والفاصلُ بينهم يوم القيامة، وهو في معنى ما قاله مجاهد: حجاب بين الجنة والنار، سُورٌ له باب.

<<  <  ج: ص:  >  >>