للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدخل النار، فهذا دعاءُ تحصيلِ الحاصل، ولم يذكره الله تعالى في بيان الذَّم لهم، مع أنهم سمعوا بتلك النصوص في الدنيا وعلِموا أن من سلِمَ من النار في أوَّل الأمر لا يدخلها بعد ذلك.

قلت: (٤٧ م): قال المُفَسِّرون: هؤلَاءِ أصحاب الأعراف، وهُمْ على خوف من سوء العاقبة، وأحوالُ يومِ القيامة توجب الدهش عن المعلومات، فقد قيل للرُّسل عليهم السلام: "ماذا أجِبتُمْ؟ قالوا: لا عِلْمَ لنا"، (٤٨) لاستيلاء الخوف من الله تعالى على قلوبهم، مع أن هؤلاء ليسوا مكلفّين، ولا ذمَّ إلَّا مع التكليف. (٤٩)

قلت: هذا تكلّف بيِّنٌ، وقولٌ غريب بعيد عن المألوف في الشريعة.

فمن البَيِّن أن هذا الدعاء أثبِت في كتابه العزيز لفوائدَ جمَّةٍ، ومنها أنْ يَدلَّ اللسان به ويُظْهِرَ به عبودية العبدِ لمولاه، فخيْرُ الدعاء ما جاء في القرآن، وهذا من جملته، وطلَبُ الحاصِلِ كثيرٌ مجيئُهُ لفوائد:

منها: اللهم صل على محمد، وقد صلى الله عليه.


= وأصحاب الأعراف اختلفت فيهم عبارات المفسرين، وكلها - كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله - ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقعَدَتْ بهم سيئاتهم عن الجنة، وخَلَفَتْ بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هنا لك على السُّور حتى يقرضي الله فيهم، نص على ذلك من الصحابة حُذَيفة، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، وغيرُ واحد من السلَف والخلَف رحمهم الله. انظر تفسير الحافظ ابن كثير وغيرَه من التفاسير بِالمأثور في هذا الموضوع، والله سبحانه أعلى وأعلم.
(٤٧ م) هذا الكلام من أول هذه الفقرة إلى آخرها من كلام القرافي، لا من كلام البقوري كما قد يتبادر من هذه العبارة.
(٤٨) إشارة إلى قوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١٠٩].
(٤٩) قال ابن الشاط هنا: على تسليم جوابه (أي القرافي) للسائل، يبقى هو مطالَباً بدليل المنع من مثل ذلك الدعاء، ولَمْ يأتِ بدليل ولا شُبهة. وكذلك جوابه في المثال الخامس، (وهو أن يقول الداعى: اللَهُم لا تغفر لفلان الكافرِ، وقد دل السمع على أن الله لا يغفر أن يُشرَك به، فهذا محرم، لأنه من باب تحصيل الحاصل وقلة الأدب، بخلاف: اللهم اغفر له، فإنه كفرٌ، لأنه من باب تكذيب السمع القاطع).

<<  <  ج: ص:  >  >>