ذلك أن ما جاء من كلام عند القرافي في هذا القسم الثالث المتعلق بما هو حرام من الدعاء، وبالتمثيل له ببعض آيات القرآن، لما فيه من تحصيل الحاصل، ومن سوء أدب مع الله، ليس بمسلّم ولا مقبول على علاته وعمومه، وخاصة بالنسبة للدعاء الذي ورد به القرآن الكريم. وقد سبق لي إثارة هذا الملحظ والإشارَة إلى صوابه والمرادِ منه، عند التعليق رقم ٤٢. وهذا التعقيبُ الذيَ أثاره البقوري، ونبهت على مثله في التعليق السابق، من هذا القسم جاء في محله، حيث لم يستسغ القلبُ ولم يقبل الفكر اعتبار مضمون دعاءٍ ورد في القرآن من باب الدعاء الممنوع، على أساس أنه من باب تحصيل الحاصل، وسوء الأدب مع الله، وهو تعليل لا يَثبت ولا يصمد أمام ثبوته ووروده في نص القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، تعليما للأمة المحمدية أن تدعو به، وهذا التعليق عند البقوري يزيد التأمل والتوقف عنده اطمئنانا واقتناعاً بصواب إثارته والتنبيه على مثله، فشفى النفس مما علِقَ بها وكان برْدا وسلاما عليها حين وجدتُّ من يوافقني في هذا التوقف والتعليق والتصحيح والتصويب، وأنا اتابع هذا القسم الثالث المتعلق بالدعاء المحرم وأمثلته، بهدف التأمل جيدا في كلام القرافي هنا، والوصول إلى فهمه على وجه الصواب والمراد منه. وما أبرِئ نفسي، وقد أكون واهما وقاصراً في فهم مراده ومقصوده، ولذلك التمست العذر فيه لِلقرافي غفر الله له ورحمه، ورحم الشيخ البقوري، ورحم كافة العلماء والمسلمين، وقابلَنَا جميعا بمنه وفضله وكرمه وجوده، آمين. (٥١) قال القرافي هنا: قوله: وقد دل الحديث الصحيح على أنّ من مات له اثنان من الولد كانا حجابا له من النار، فيكون هذا الدعاء معصية. ثم أتى بتساؤل في هذا الموضوع، وهو أنَّنا أمِرْنا أن ندعو للنبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "اللهم آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ والدرجة الرفيعة، وابعَثْهُ اللهم الْمَقام المحمود الذي وعدتَّه، إنك لا تخلف الميعاد"، والمقام المحمود هو الشفاعة الكبرى في الناس يوم القيامة، وقد أُعطيها - صلى الله عليه وسلم -، فيلزم أحدُ الأمرين: إمَّا إباحة الدعاء بما هو ثابت (وهذا الذي ارتآهُ الشيخ البقوري وارتأيتُهُ معه كما سبق)، وإما الإِشكالُ على الإِخبار على كونه عليه السلام أعطِيها".