(٥٣) أي فدخول بعض المسلمين للنار إنما هو بذنوبهم التي لم يغفرها الله لهم، وخروجُهم منها يكون بشفاعة ومغفرة، وفضل من الله ورحمةٍ، فلو غفر لجميع المسلمين ذنوبَهم كلها لم يدخل أحدٌ النار، فيكون هذا الدعاء مستلزِماً لتكذيب تلك الأحاديثِ الصحيحة، فيكون معصية ولا يكون كفراً، لأنها أخْبَارُ آحادٍ، والتكفيرُ إنما يكون بجحد ما عُلم ثبوته بالضرورة أو بالتواتر. ثم طرح القرافي هنا سؤالا على نفسه، وقال: فإن قلت: إن من آداب الدعاء إذا قال الإنسان: اللهم اغفر لي أن يقول: ولجميع المسلمين، وهذا خلاف ما قررتَهُ. وقد أخبر الله تعالى عن الملائكة صلوات الله عليهم أنهم يقولون كما جاء في كتابه العزيز: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}، أي تابوا من الكفر واتبعوا الإسلام. ولفْظُ الذين عامٌّ في التائبين من الكفر وهم المؤمنون، فيكون عاماً في المؤمنين، وكذلك قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ}، وهو خلاف ما قرَّرتَه. سورة غافر، الآية ٧. فأجاب القرافي عن الإشكال الأول بما هو مختصر وملَخَّص عند البقوري بقوله هنا: إنْ قَصد مغفرة الذنوب كلها فلا يجوز، وإن أراد لهم المغفرة من حيث الجملة جازَ. وأجاب عن الثاني وهو دعاء الملائكة واستغفارُهُم للمؤمنين في الأرض، بأن ذلك الدعاء والاستغفار لا عموم فيه وفي ألفاظه، لكونها أفعالا في سياق الثبوت فلا تَعُمُّ، إجماعا، ولو كانت للعموم لوجبَ أن يُعتقَد أنهم أرادوا بها الخصوص، وهو المغفرة من حيث الجملة، للقواعد الدالة على ذلك. (٥٤) كذا في نسختي ع، وح. وفي نسخة ت: بخلاف ما عليه الناس في أدعيتهم، ولا يظهر أثر لاختلاف المعنى بالنسبة للكلمتين: الفعل، والاسم هنا.