للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم السادس أن يطلب ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه، وهذا كأن يقول: اللهم اجعلني أوَّل داخلٍ الجنة، وكأن يقول: اللهم اجعلنى أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، وكأن يقول: اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء. (٥٧)

قلت: الرَّد عليه في هذا كالرد عليه في الذي قبله. غيرَ أن طلب مثل هذا لا ينبغي، لعدم التأدُّب الذي فيه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولِاختياره مطلوبا غير مختار عند الله.

القسم السابع. الدعاءُ المعلَّق على مشيئة الله تعالى، فلا يجوز أن يقول: اللهمَّ اغفر لي إنْ شئتَ، وهذا لاستشعاره عدمَ حاجةِ العبد إلى مولاه وَاستغنائه عنه، (٥٨) وفيه تحصيلُ الحاصل. (٥٩)


(٥٧) زادَ القرافي في هذا القسم من أمثلة الدعاء المحرم الذي ليس بكفر أمثلة أخرى، كأن يقول الإنسان: "اللهم اجعلنى أولَ من تنشَق عنه الأرض يوم القيامة لأستريح من غمها ووحشتها مدَّةً من الزمان قبل غيره، وقد ورد في الصحيح قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أول من تَنشق عنه الارض"، فيكون هذا الدعاءُ رداً على النبوة، فيكون معصية، وكأن يقول الإنسان: اللهم اجعلني أول داخل للجنة"، أو يقول: اللهم اجعل الأغنياء يدخلون الجنة قبل الفقراء، لكونه من الأغنياء، وقد ورد في الحديث الصحيح غير ذلك، فيكون معصية .. الخ.
قال ابن الشاط هنا: لا مضَادة بين التكليف بطلب أمر ونفوذ القضاء بعدم وقوعه، ومدعى ذلك مطالب بالدليل عليه، ولم يأت على ذلك بدليل إلا دعوى المضادة.
قلت: ومثل هذا التعقبب هو الذي نجده هنا عند البقوري ملَخَّصا، مع ملاحظته أن مثل هذا الدعاء لا ينبغي، لما فيه من عدم التأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن اختياره أمراً غير مختارِ اللهِ أحْكمِ الحاكمين، وأسرعِ الحاسبين وأعْدلِ العادلين.
(٥٨) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذا القسم صحيح.
قلت: كيف لا يكون هذا القول صحيحاً وسليماً، وقد أخرج بعض أئمة السنة النبوية حديثاً صحيحاً عن أبي هريرة ضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا يقولَن أحَدُكُم: اللهم اغفر لى إن شئتَ، اللهم ارحمنى إن شئت، لِيَعْزِمْ المسألةَ، فإنه سبحانه لَا مُكرِهَ له". (أيْ فليتوجهْ العبد إلى ربه بالدعاء الجازم المتيقن فيه بالإجابة، فإنه سبحانه كريم رحيم، وعَدَ باستجابة دعاء المؤمنين.
(٥٩) وطَلَبُ تحصيل الحاصل محال كما قال القرافي، فإن ما شاء الله لابد من وقوعه، وذلك كله مناقض لقواعد الشريعة والادب مع الله تعالى.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ليس ما قاله في طلب تحصيل =

<<  <  ج: ص:  >  >>