للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة. اتفق الناسُ على كفر إبليس لقضيته مع آدم عليه السلام، وليس ذلك لكبيرة ولا لمخالفة الامر، وإلّا لزم أن يكون كل من اتصف بشيء من ذلك كافرا، بل لنسبة الله تعالى إلى الجَوْر. قال ذلك في قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ}. (١٢٦)

مسألة. أطلَق مالكٌ وجماعةٌ سِواه الكفرَ على الساحر، وأنْ السِّحْر كفْرٌ. (١٢٧) والصواب ألَّا يُقْضَى بهذا حتى يتبين معقولُ السحر، إذْ السحر يقال على معانٍ مختلفة.


(١٢٦) سورة الاعراف، الآية ١٢، وسورة ص، الآية ٧٦.
قال الله تعالى في السورة الأولى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} الآيات: ١١ - ١٥.
زاد القرافي هنا قولَه: وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء، وينبغي أن تَعلم أن ابليس إنما كفر بنسبةِ الله إلى الجوْر والتصرف الذي ليس بِمَرضي ..
وقد علق ابن الشاط على هذا الكلام الذي اختصره البقوري في هذه المسألة، فقال: ما قاله (أيْ القرافي) من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد لكل عاص، ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع في العقل أن يجعل الله حسداً مَا، وامتناعا ما، وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه، كفرا، اذ كون أمر ما كُفْراَ أو غيرَ كفر، أمز وضعي، وضعَه الشارع لذلك، فلا مانع أن يكون كفرُهُ لا متناعه أو لحسده" اهـ.
ثم زاد القرافي قوله: وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك (أي للجور والظلم) فقد كفر، لأنه من الجرأة العظيمة على الله).
وتعقبه ابن الشاط بقوله: ما قاله من الاجماع صحيح، وما قاله من أن ذلك من الجرأة العظيمة ليس بصحيح، بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى، وبأنه منزة عن التصرف الرديء والجور والظلم، وأن ذلك ممتنع في حقه سبحانه عقلا وسمعا. وما قاله في المسألة صحيح إن كان ما بَنَى عليه كلامه صحيحا.
(١٢٧) قال القرافي هنا: ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة، (والاشارة بهذا إلى الحكم على الساحر بالكفر)، غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيها الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي مع. والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه: ما هو السحر، وما حقيقتُهُ حتى يمَضَيَ بوجوده على كفر فاعليه؟ فإنه يعْسُرُ عليه ذلك جدا، ويحكم على السحر والرقَى والخواص والسميا والهيمياء وقوَى النفوس بأنها كلها سحر ومن باب واحد، والتمييزُ بين خصوص كل واحد منها وبما يمتاز به لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا، وأنا طولَ عمرى ما رأيت من يفرق بين هذه الامور، فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معَيَّن أو بمباشرة شيء معيَّن =

<<  <  ج: ص:  >  >>