للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حجتهم قولُه تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، (١٤٦) ولأنه لو كانت له حقيقةُ لأمكن الساحِرَ أن يدعي النبوة، فإنه ياتي بالخوارق على اختلافها.

والجواب أن السحر أنواع: فبعضه هو تخييل، وعن الثاني أن إضلال الخلق ممكن، ولكن الله تعالى أجرى العادة بضبط مصالحهم، فما يسَّر ذلك على الساحر. وكم من ممكن يمنعه الله من الدخول في العالم، لأنواع من الحِكَم، مع أنَّا سنبين الفرق دين السحر والمعحزة من وجوه فلا يحصل اللبسُ.

المسألة الثالثة، قال الطرطوشي: قال مالك وأصحابه: الساحر كافر فيُقتَل ولا يستتاب، سَحَر مسلما أو ذمّيا، كالزنديق (١٤٧).

قال محمد: إن أظهره قُبِلت توبته، قال أصبغ، إن أظهره ولم يتُبْ فقتل، فماله لبيت المال، وان استتر فلورثته من المسلمين، ولا آمرهُم بالصلاة عليه، فإن فعلوا فهم أعلم. قال: ومن قولِ علمائنا القدماء: لا يُقتَل حتى مع يَثْبُتَ أنه من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كُفْرٌ. قال أصبغ: يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته، ولا يلي قتلَهُ إلأ السلطانُ، ولا يُقتل الذميُّ الا أن يَضر المسلمَ بسحره فيكون نقْضاً فيُقتَل،


(١٤٦) أي من حجة القدَرية النافين لحقيقة السحر، هذه الآية الكريمة، وهي جآتْ في معرض حوار موسى مع سَحرة فوعون حين دعاهم ليقابلوا سِحْرَهم بمعجزة موسى، فبطل سحرهم ومَا كانوا يعملون، وغُلِبُوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وآمنوا بالله رب موسى وهارون، وعلموا أن الأمر هو محجزة من الله رب العالمين، كما حكى الله ذلك عنهم في كتابه العزيز. {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} سورة طه، الايات ٦٣ - ٩٠.
(١٤٧) عن جُندُبِ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "حَدُّ الساحر ضَرْبُهُ بالسيف".
رواه الإِمامان الترمذي والحاكم، وصحَّحه، رحمهما الله. قال بعض شراح الحديث: فمن سحَر فإنه يُقتل بالسيف، وعليه بعض الصحْب والتابعين ومالكٌ وأحمد، بل قال مالك: إنه كافر بالسحر، فيُقتل، ولا يُستتاب، فإنَّ توبته لا تُقبل، وقال الشافعي: لا يُقتل إلا إذا عمِل في سحره ما ييلغ الكفر، وإلا فلا، وهذا كله إذا لم يَقتُلْ بسحره، وإلا قُتِل بلا خلافٍ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>