قلت: وهذا يفيدُ أن الجملة الفعلية من المضارع في محل نصب على الحال، وهو الأظهر، ويحتمل أن تكون الجملة في محل رفع على أنها خبر بعد خبر، إذ يجوز تعدَده كما في قوله تعالى في سورة البروج، {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ... }، وكما قال ابن مالك في منظومته النحوية: وأخْبَرُواَ باثنين أو بأكثرا ... عن واحدٍ كهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا والسرإة بفتح السين جمع سَرِيّ، وهو السَّيّدُ في القوم. (١٦١) قلت: إختصرَ الشيخ البقوري هنا كلاما هاما للقرافي، نوردُ بعضه ليزداد الموضوع بيانا ووضوحا في هذا المبحث الدقيق: قال القرافي: فقد قال الطرطوشي -وهو من سادات العلماء-: إنه إذا وقف من أراد تعلم السحر لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها، فإن هذا سحر. (والقضية المشار اليها هنا، كما سبق ذكرها عند القرافي، هي قيام متعلم السحر، إذا أراذ سحر سلطان، لبرج الأسد قائلا، خاضعا متقربا، ويناديه، يا سيداه، يا عظيماه، أنت الذي إليك تَدين الملوك والجبابرة والأسودُ، أسألك أن تذَلل لي قلب فلان الجبار)، قال القرافي: فقد تصوره (أي الطرطوشي) وحكم عليه بأنه سحر، فهذا هو تعلَّمُه، فكيف يَتصور شيئا لم يعْلَمْه .. قال القرافي: وأما قوله (أي الطرطوشي): لا يُتَصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك، بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفُرُ به الانسان كما نقول: إن النصارى يعتقدون في عيسى مع عليه السلام كذا، والصابئة يعتقدون في النجوم كذا، ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجهه حتي نرد عليهم ذلك، فهو قربة لا كُفْرْ، وقد قال بعض العلما: إن كان (أي المتعلم للسحر) تعَلمَه ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قُرَبة (أيْ طاعةً)، وكذلك نقول: إن عمِل السحرَ بأمْرا مباح ليفرّق بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاءٍ والشحناء، أو يفعَل ذلك بجيش الكفر، فيقْتُلون به مَلِكَهم، فهذا كله قربة، أو يصنعه محبةً بين الزوجين، أو الملِك مع جيش الاسلام، فتأمل هذه المباحث، فالموضع مشكل جداً ... )، ثم أخذ القرافي يعقب على كلام الطرطوشي ويجيب عن أقواله وأقوال المالكية في الموضوع. فليرجع اليها من أراد التوسع في ذلك عند الإِمام القرافي رحمه الله.