للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الرابعة في الفرق بين المعجزاتِ للأنبياء وبين السِحر للسحَرة، وغيره مما يُتَوهَّمُ أنه خارق للعادة. (١٦٢)

هذه مسألة عظيمة الوقع في الدّين، وأشكَلَتْ على جماعة من الأصوليين. (١٦٣).


(١٦٢) قال ابن الشاط: إن كان القرافي يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتادٌ ولس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح، وأكثرُ الاشعرية أو جميعُهم يجوزون خرق العوائد على يد الساحر، الا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدرى من يَعْلم ذلك.
(١٦٣) زاد القرافي هنا قوله: "والتبَسَتْ على كثير من الفضلاء المحَصِّلين"، وهي عبارة تُوحِي بأهمية المسألة، ودقة الفروق المتعلقة بها وضرورة استحضارها.
قلت: وممن تناول الكلام على موضوع السحر والطلسمات وعلومها وأصنافها وحقائقها، وبَسطها بشيء من البيان والتفصيل، المؤرخُ الاجتماعي الكبير، والفقيه المحقق الجليل العلامة الشهير عبد الرحمان بن خمد بن خلدون الحضرمي رحمه الله، ولك في الفصل الثاني والعشرين من كتابه الذائع الصيت: المقدمة، فقد جاء في أول هذا الفصل قوله عن السحر والطلسمات ما يلي:
"وهي علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر، إما بغير مُعِين أو بمعِين من الأمور السماوية، والأول هو السحر، والثاني هو الطلسمات. ولما كانتْ هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لِمَا فيها من الضرر، ولِما يُشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أؤ غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس، الا ما وجد في كتب الامم الاقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام، مثل النبط والكلدانيين، فإن جميع من تقدمه من الانبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاءوا بالأحكام، إنما كانت كتبهم مواعظ وتوحيدا لله وتذكيرا بالجنة والنار، وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانِن والكلدانِيين، وفي أهل مصر من القِبط غيرهم، كان لهم فيها التآليف والآثار، ولم يترجَمْ لنا من كتبهم الا القليلُ مثل الفلاحة النبطية من أوضاع أهل ابابل، فأخذ الناسُ منها هذا العلم وتفننوا فيه، ووضعت بحد ذلك الأوضاعُ، مثل مصاحف الكواكب السبعة، وكتاب طمطم الهندي في صور الدَّرج والكواكب وغيرها.
ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة، فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة، وغاص في زبدتها واستخرَجها، ووضع فيها غير من التأليف، أكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها، لأن إحالة الاجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية، فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه.
ثم جاء مسلمةُ بن احمد المجريطي إمام أهل الاندلس في التعاليم والسحريات، فلخص جميع تلك الكتب، وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم، ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده".
وكان من جملة ما ذكره ابن خلدون في هذا الفصل ما يتعلق بالفرق بين المعْجزة والسحر، فقال: =

<<  <  ج: ص:  >  >>