وانما نستدل نحن على التفرقة بالعلَامات الظاهرة، وهي وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير، وللنفوس المتمحصة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة، والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك، وللنفوس المتمحصة للشر، هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الآلهيين. وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تاثيرٌ أيضا في أحوال العالم وليس معبودا من جنس السحر، وانما هو بالإمداد الالاهي، لأن طريقتهم ونِحْلتَهم بن آثار النبوة ؤلوابعها، ولهم من المدَد الالاهي حفظ على قدر حالهم وأيمانهم وِتمسكهم بكلمة الله، واذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر لا ياتيها، لأنه متقيد فيما ياتيه ويذرُه بالأمر الالاهى، فما لا يقع لهم فيه الإذن لا ياتونَه بوجه، ومن أتاه منهم فقد عدَل عن طريق الحق، وربَّما سُلِب حاله. ولما كانت المعجزة بإمداد رُوح الله والقُوَى الالاهية، فلذلك لا يعارضها شيء من السحر. وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يافِكون، وذهب سحرهم واضمحَل كأنْ لم يكن، وكذلك لما أنزل الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعَوذتين: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، قالت عائشة رضي الله عنا، فكان لا يقرأها على عقدة من العُقَد التي سُحِر فيها الا انحلت، فالسِحرُ لا يَثبتُ مع اسم الله وذكره .. " اهـ. هذا، وقد رأيت أن أنقل هذا الكلام من هذا الفصْلِ الطويل عند العلامة ابن خلدون في مقدمته، وذلك لأهميته، ولما يفيده من توضيح لبعض الامور التي وردت عند القرافي في هذا الشأن، فليمح اليه من اردا التوسع في ذلك، والاستيعابَ لما جاء فيه، فرحمهم الله جميعا، وجزاهم عما قدموا من علم وخَيْر للمسلمين في شؤون دينهم ودنياهم.