السِّحر إذا وُجِدَتْ حصلَ، وكذلك السيمياء وغيرها، كلها جارية على أسبابها العادية، غيرَ أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل في الناس.
وأما المعجزات فليس لها سببٌ في العادة أصْلا، فلم يجعل الله في العالَم عَقاراً يَفلِق الْبَحْرَ أو يُسَيِّر الجبَل ونحو ذلك، فنريد بالمعجزة ما خلقه الله في العالم تحَدِّيًا للانبياء عليهم السلام على هذا الوجه، وهذا فرق غظيم.
غيرَ أن الجاهل بالأمرين يقول: وما يُدْريني أن هذا له سببٌ والآخَرُ لا سببَ له، فيُذْكَرُ له الفرقان الآخَران:
أحدهما أن السِحر وما يجري مجراه يختص بمن عُمِلَ له، حتَّى إن أهل هذه الحِرف إذا استدعاهم الملوك ليضعوا لهم هذه الامور يطلبون منهم أن تُكتَبَ أسماء كل من يحضر ذلك المجلس، فيضعون صنعتهم لمن سمِّيَ لهم، فإن حضر غيرهم لا سَرى شيئا ممّا رآهُ الذين سُمُّوا.
قال العلماءُ: وإليه الاشارة بقوله تعالى: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}(١٦٤)، أي لكل ناظر ينظُر اليها، ففارقت بذلك السحرَ والسيمياء.
(١٦٤) الآية الكريمة تتحدث عن نبي الله موسى عليه السلام، وعن بعض معجزاته التي أعطاه الله اياها، وأظهرها على يديه، كالعصا التي تصير ثُعبانا، وكإخراج يده من ثوبه ومن جيبه بيضاء من غير سوء وعلى غير حالها التي كانت علها، تتلألأ كالشمس الساطعة، ولك ما يدل عليه قول الله تعالى في الآية الآتية: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} الآيات ٢٣ - ٣٣ سورة الشعراء، وبعدها آيات أخرى تدل على تغلّب العصا معجزة موسى على حِبال وعصى وسحرة فرعون، وانتهاءِ ذلك بهم إلى الايمان، كما حكاه الله عنهم فط هذه السورة الكريمة بقوله تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}. الآيات ٤٨ - ٤٣ من نفس سورة الشعراء.