للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحادي عشر: التفضيل بكثرة التعلق كتفضيل علم الله على قدرته. (٢٧٨)


= قلت: وقد جآت أحاديث نبوية كثو في بيان فضل القرآن المبين، وبيان فضائل سُوَرهِ الكريمة يرجعَ اليها في كتب التفسير والحديث، وفي الكتب اطاصة بفضائل القرآن، وهذا لَا يتنافى مع القداسة والحُرمة التي هي ثابتة لكل سورة وآية، ولكل كلمة وَحَرْفٍ من كتاب الله عز وجل كما هو اعتقاد وشعورُ كل مسلم ومسلمة، فإن القرآن العظيم كله تنزيل من رب العالمين، ولا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وهوَ محفوظ بحفظه المبين ولا يمسه إلا المطهرون).
قال ابن الشاط معلقا على كلام القرافي: ما قاله في هذه القاعدة العاشرة من أن كل مدلول متعلق، ليس بصحيح، فإن المدلول غيرُ المتعلّق في الاصطلاح المعهود، إلا أن يريد أن كل مدْلول يصح أن يكون متعلِّقاً بوجه مَّا، فذلك صحيح، إلا أنه مخالفٌ للاصطلاح.
وما قاله من أن الارادة المتعلقة بالخيور أفضل من الارادة المتعلقة بالشرور، إنْ أراد بذلك إرادتنا فصحيح، وإن أراد الارادة مطلقة فليس ذلك بصحيح، فإنَّ إرادة الله لا يصح تنوعها إلى نوعين، لاتحادها، ولا يصح ذلك الاطلاق عيها باعتبارين، لأنه لم يَردْ في ذلك من الشرع ما يقتضيه.
وما قاله في نية الصلاة والطهارة، وما بنَى عليه ذلك، من أن المقاصد أفْضَلُ من الوسائل، إنْ أراد بالأفضلية زيادة الأجور فذلك دعوى لم يات عيها بحجة، وإن أراد بالأفضلية كون المقاصد مفضَّلة بكونها مقاصد، فذلك صحيح.
وماقاله (أيْ القرافي) في القاعدة الحادية عشرة، والثانية عشرة صحيح، وكذلك ما قاله في الثالثة عشرة، إلّا حَصْرَهُ لوجوه التفضيل في عشرين قاعدة، فإني لا أعرف الآن دليل صحة ذلك الحصر اهـ. كلام ابن الشاط رحمه الله.
قلت: تعقيب ابن الشاط على كلام القرافي فيما يتعلق بالارادة وتنوعها وجيه ودقيق في محله، والحق إذا ظهر وانبلج واتَّضح أحقُّ أن يُتَّبعَ، فقديما قيل: الرجال يُعْرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال، لأن الحال الأولى موضوعية جوهرية، والثانية معنوية اعتبارية. ومقام الالوهية وجانِبُها العظيم ينبغي الاحتياط والتثبت فيه أكثر، والتحرزُ والورَع فيه ما أمكن عند تناول الحديث على ما يتعلق بالأسماة والصفاتِ الالهية قبل الحوض في بحرها الواسع العميق، خصوصا على طريقة المتكلمين من علماء التوحيد، مع مراعاة الحدود التي يجب على المرء المسلم والعالم المتبصر الوقوف عندها، حذراً من الوقوع في مزالق اللسان وطلبا للسلامة والنجاة من خطأ الفكر والتعبير في الجانب الرباني الجليل، إذ من المعلوم المسلَّم به عند علماء المسلمين أن اسماء الله الحسنى، وصفاتِه العلى توقيفيَّة، فلا يوصَف الحقُّ سبحانه إلا بما وصَف به نفسه في كتابه العزيز، أو ووصفه به نبيُّه ورسوله المصطفى الامين فيما صَحَّ مِن حديثه النبوى الشريف، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، كما قال في حقه ربنا جل وعلا، والله وحده بالصواب عليم، والموفق والهادى إلى صراط المستقيم، ورحم الله علماء المسلمين الذين أبانوا للناس وأوضحوا لهم معالم الدِّين؛ هو مبسوط في مواضعه من الكتب التي ألفها عديد من علماء المسلمين.
(٢٧٨) قال القرافي هنا: لكون العلم متعلقا بجميع الواجبات والممكنات والمستحيلات، واختصاص =

<<  <  ج: ص:  >  >>