فالصلاة في اللغة: الدعاء، والزكاة: النماء، والصوم:
الإمساك، والحج: القصد، فنقل الشارع هذه الألفاظ من معانيها
اللغوية السابقة واستعملها في معان أخر، وأعرض فيها عن الموضوع
اللغوي، فوضع لفظ " الصلاة " على الأفعال والأقوال المخصوصة،
ووضع لفظ " الزكاة " على إخراج مقدار من المال وإعطائه إلى قوم
آخرين بشروط خاصة، وكذا يقال في الصوم والحج.
فالشارع نقل اللفظ من معناه اللغوي إلى معناه الشرعي، وليس
نقلاً مطلقا، بل مع وجود علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي،
فمثل ما تصرف أهل العرف في بعض الألفاظ بنقلها عن معناها
الموضوعة له أصلاً، فكذلك الألفاظ الشرعية خصصت لفظة
"الصلاة"، واستعملت في دعاء مخصوص.
وهذا هو الصحيح عندي، لدليلين:
الدليل الأول: الاستقراء والتتبع للألفاظ الشرعية التي استعملها
الشارع: فإن الشارع قد استعمل لفظ " الحج "، و " الصوم "،
و"الإيمان "، و " الزكاة "، و " الصلاة " في معان لها علاقة بمعناها
اللغوي - كما سبق بيانه - فهو ليس نقلاً كليا للفظ، بل يوجد
ارتباط بين المعنى اللغوي، والمعنى الشرعي.
الدليل الثاني: القياس على فعل أهل اللغة في الألفاظ العرفية
كلفظ الدابة، حيث خصصوه في ذوات الأربع مع أنه يطلق لغة على
كل ما يدب على الأرض، ولم ينكر أحد هذا التصرف، فكذلك
فعل المشرع في لفظ " الصوم "، و " الإيمان " ونحوهما، والجامع:
أن كلًّا من فعل أهل اللغة وفعل المشرع ليس فيه نقلاً كليا للفظ، بل
يوجد علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي والعرفي.