القسم الثاني: القرينة، أي: أن الدليل الصارف عن المعنى
الظاهر إلى المعنى المرجوح قد يكون قرينة.
والقرينة نوعان:
النوع الأول: قرينة منفصلة مثل: المسلم من أهل الجهاد لو جاء
بمشرك، فادَّعى المشرك أنه أمنه، وأنكر المسلم ذلك وادعى بأنه
أسره، فهل يقبل قول المسلم أو الكافر؟
اختلف في ذلك:
فقيل: إنه يقبل قول المسلم على كل حال.
وقيل: إنه لا يقبل إلا ببينة.
والصحيح: أن القول هو قول من ظاهر الحال صدقه، فإن كان
الكافر أظهر قوة وبطشا وفروسية وإقداما من المسلم، فإنه يقبل قوله؛
لأن هذه الصفات قرينة جعلتنا نقدم قوله، مع أن قول المسلم أرجح
لعدالته وإسلامه، وقول الكافر مرجوح، لكن هذه القرينة المنفصلة
- وهي الصفات التي اتصف بها الكافر - عضدت قول الكافر حتى
صار أقوى من قول المسلم الراجح.
النوع الثاني: القرينة المتصلة بالظاهر المراد تأويله مثل: قول
الإمام الشافعي: إن الواهب لا يحرم عليه الرجوع فيما وهب
مستدلاً بظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه "،
حيث إن الكلب لم يحرم عليه الرجوع في قيئه،
فالظاهر أن الواهب إذا رجع مثله في عدم التحريم؛ لأن الظاهر من
التشبيه استواء المشبه والمشبه به من كل وجه مع احتمال أن يفترقا من
بعض الوجوه احتمالاً قوياً.
فحينئذ ضعف جانب من قال بعدم جواز رجوع الواهب فيما