وهب - كالإمام أحمد - لأنه لم يبق معه إلا احتمال ضعيف قواه
بالقرينة المتصلة بالنص الظاهر، وهي قوله - في أول الحديث -:
"ليس لنا مثل السوء.. العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في
قيئه "، وهو دليل قوي، وجعل ذلك مقدما على المثل المذكور،
وهو دليل الاهتمام به، فأفاد ذلك لغة وعرفا: أن الرجوع في الهبة
مثل السوء، وقد نفأه صاحب الشرع، وما نفاه صاحب الشرع
يحرم إثباته، فلزم من ذلك عدم جواز الرجوع في الهبة.
القسم الثالث: القياس الصحيح الراجح، أي: أن الدليل
الصارف عن المعنى الظاهر إلى المعنى المرجوح قد يكون قياسا راجحا
مثل: أن الشارع ذكر في كفارة الظهار والصيام " الإطعام "، ولكنه
لم يذكر تلك الكفارة في " القتل الخطأ "، وترك ذلك ظاهر في
عدم وجوبه؛ لأنه لو كان واجبا لذكره، كما ذكر تحرير الرقبة،
والصيام، ويمكن إثبات الإطعام في كفارة القتل الخطأ؛ قياسا على
إثباته في كفارة الظهار والصيام، والجامع: أن الكفارات حقوق لله
تعالى، وحكم الامتثال واحد، فثبوت الإطعام في تلك الكفارات
تنبيه على إثباته في كفارة القتل، هذا على مذهب من يرى جواز
القياس في الكفارات، وذكرت ذلك مفصلاً في كتابي " إثبات
العقوبات بالقياس ".
القسم الرابع: حكمة التشريع، أي: أن الدليل الصارف عن
المعنى الظاهر إلى المعنى المرجوح قد يكون حكمة التشريع والمقاصد
الشرعية مثل: قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"في سائمة الغنم في كل أربعين شاة شاة"،
فإن ظاهر هذا: أنه لا يجزئ عن الأربعين شاة إلا إخراج
شاة بعينها، ولكن جمهور الحنفية قد أولو ذلك، وقالوا: يجوز
إخراج قيمة الشاة ويجزئ ذلك، وعللوا ذلك بقولهم: إن حكمة