فتكون علَّة الاستحقاق هى: القرابة فقط؛ حيث إنها مناسبة
للاستحقاق إظهاراً لشرفها، فتخصيص المأوِّل أن المستحق هو:
القريب المحتاج هذا تخصيص للعموم بلا دليل، وفيه ترك لما ظهر
من كون القرابة هي العِلَّة في الاستحقاق، ووضع الحاجة المسكوت
عنها علَّة، وهذا بعيد جَداً.
المثال الثاني: قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى
الكعبين) ، فقد أول بعضهم ذلك بأن المراد مسح الرجلين بدلاً من
غسلهما، محتجاً بقراءة الجر في قوله: (وأرجلِكم) نظراً لكونه
معطوفاً على قوله: (برءوسكم) ، وهذا تأويل بعيد كما بيناه فيما
سبق - في النوع الثاني من أنواع التأويل -.
المثال الثالث: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لغيلان بن سلمة الثقفي - حيث أسلم على عشرة نسوة -:
" امسك أربعا وفارق من سواهن ".
فقد أوَّل الحنفية ذلك بأن المراد: ابتدئ زواج أربع منهن إن كان
الزواج بعقد واحد، وفارق سائرهن بأن لا تبتدئ العقد عليهن،
وأمسك الأوائل منهن إن كان الزواج مرتبا بعقد لكل منهن، وفارق
سائرهن، أي: الأواخر، فيكون الحكم عند الحنفية على هذا
التأويل: أنه إن نكحهن معاً فليس له إمساك واحدة منهن، وإن
نكحهن متفرقات: فإنه يمسك أربعا من الأوائل، ودليلهم على هذا
التأويل: القياس؛ حيث قاسوا العقد على النسوة قبل الإسلام على
العقد عليهن بعد الإسلام، وأنه ليس بعض النسوة أوْلى بالإمساك من
بعض.
وهذا التأويل بعيد جداً؛ لأن الحديث ظاهر في استدامه النكاح
للأربع بدون عقد مطلقاً، ويتمسك بهذا الظاهر؛ حيث وجدت
وجوه تدل على هذا الظاهر، وهي كما يلي: