دخل عليّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: " هل عندكم من شيء؟ "
فقلنا: لا، فقال: " فإني إذن صائم "، ثم أتانا يوما آخر فقلنا:
يا رسول اللَّه، أهدي إلينا حيس، فقال: " أرنيه فقد أصبحت
صائماً " فأكل، فلا تشترط النية - لذلك - لصيام التطوع، هذا ما
ذهب إليه جمهور العلماء.
ولكن الحنفية أولوا ذلك وقالوا: إن المراد هو: اشتراط النية
لصوم قضاء رمضان، وصوم النذر المطلق، وصوم الكفارة؛ نظراً
لكونها غير متعينة، فتحتاج إلى نية تعين ذلك، أما الصوم المعين
- كصوم رمضان والنذر المعين، فلا تشترط فيه النية؛ لوجود التعيين.
وهذا التأويل بعيد جداً؛ لوجوه:
الأول: أنه ورد في الحديث صيغة عموم وهي: النكرة في سياق
النفي، حيث قال: " لا صيام "، فهي عامة لكل صيام، وعلى
هذا لا يخرج من ذلك إلا ما قام الدليل على إخراجه كصيام التطوع.
الثاني: أن المتبادر من لفظ " صيام "، إنما هو الصيام الأصلي
المتخاطب به في اللغات وهو الفرض، دون ما كان وجوبه بعارض
ووقوعه نادر، وهو القضاء والنذر المطلق.
الثالث: أن حمل ذلك على صيام القضاء، والنذر المطلق وهو
نادر، وإخراج الأصل الغالب يعتبر إلغازاً في القول، ولهذا فإن
السيد لو قال لعبده: " من دخل داري من أقاربي فأكرمه "، ثم
أكرم العبد جميع أقاربه، فلامه السيد، وقال: إنما أردت أقاربي من
النسب، دون أقاربي من السبب، فإن هذا اللوم لا يقبل، ويكون
تصرف العبد موافقاً للغة، فيكون كلام السيد منكراً مستبعداً.
المثال الخامس: قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ".