بالتقصير، وهذا لا يجوز؛ لأن الصحابة اختارهم اللَّه لصحبة نبيه،
وذلك لنقل هذه الشريعة - كلها - إلى من بعدهم بكل أمانة وإتقان.
الجواب الرابع: أنه لم ينقل عن صحابي واحد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل عن مقتضى الأمر في حال من الأحوال،
وهذا يدل على أنهم كانوا يفهمون من الأمر الوجوب، دون قرائن.
الدليل التاسع: أن لفظة " افعل " تمنع من الإخلال بالفعل بدليل
أن أهل اللغة يعقبون المعصية على الأمر بلفظ " الفاء " فيقولون:
"أمرتك فعصيتني "، و " قلت لك افعل فعصيتني "، وقال تعالى:
(أفعصيت أمري) ، وقال: (لا يعصون اللَّه ما أمرهم) ،
وقال الشاعر الحصيني بن المنذر الرقاشي -
لما نصح يزيد بن المهلب بأن لا يذهب إلى الحجاج بن يوسف،
ولكنه خالف نصيحته، وذهب إلى
الحجاج فعز له - قال:
أمرتك أمراً جازماً فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فهنا جاءت المعصية عقب الأمر غير الممتثل بلفظ " الفاء - التي
هي للتعقيب - كما سبق في حروف المعاني - والمعصية توجب
العقوبة؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) ،
فدل هذا على أن المعصية إنما لزمت المأمور؛ لأجل إخلاله
بما أمر به، وهذا يقتضي أن لفظة الأمر - وهي افعل - المجردة عن
القرائن تفيد الوجوب، ولو لم تكن مفيدة للوجوب لم نكن
بمخالفة ذلك الأمر عاصين.
الدليل العاشر: أن السيد لو أمر عبده قائلاً: " اسقني ماء "،
فإن امتثل العبد بأن سقاه ماء، فإنه يستحق المدح، وإن لم يمتثل
- بأن لم يسقه ماء - فإنه يستحق الذم والعقوبة، فرأى العقلاء من