أهل اللغة هذا السيد وهو يعاقب عبده، وسالوه عن سبب ذلك فقال
لهم: إني أمرته بأن يسقيني ولم يفعل، فإن هؤلاء يتفقون معه على
حسن لومه وعقابه؛، نظراً لمخالفته الأمر، فدل ذلك على أنه ما
استحق الذم والعقوبة إلا لأنه ترك واجباً؛ لأن الواجب هو الذي
يذم على تركه مطلقا، فلو كان الأمر المطلقَ لا يقتضي الوجوب: لما
استحق العبد المخالف للأمر الذم والعقوبة؛ لأنه لا يعاقب إلا على
ترك واجب.
الدليل الحادي عشر: إن قول القائل: " افعل " لا يخلو من أربعة
أمور فقط هي كما يلي:
١ - أن يقتضي المنع من الفعل.
٢ - أن يقتضي التوقف.
٣ - أن يقتضي التخيير بين القعل وعدمه.
٤ - أن يقتضي أن يفعل لا محالة - وهو الوجوب -.
أما الأول - وهو اقتضاؤه المنع من الفعل - فهو باطل؛ لأنه يكون
معنى " افعل ": لا تفعل، وهذا نقيض فائدة اللفظ.
أما الثاني - وهو: التوقف - فهو باطل؛ لأن قوله: " افعل "
حث على الفعل فهو نقيض التوقف وهو: عدم الفعل.
أما الثالث - وهو التخيير - فهو باطل؛ لأنه ليس للتخيير ذكر
في اللفظ، وإنما اللفط يتعلق بالفعل دون تركه.
فلما بطل الثلاثة الأول: بقي الرابع وهو: أن " افعل " يقتضي
أن يفعل لا محالة - وهو الوجوب -.
المذهب الثاني: أن صيغة الأمر - وهي " افعل " - إذا تجردت عن