لكن منع من ذلك أصل آخر أقوى منه وهو: أن فوق هذا الآمر -
وهو السلطان - آمر آخر وهو الله عَزَّ وجَلَّ؛ حيث نهى عن ذلك -
القبيح، وامتثال أمره ألزم من امتثال أمر السلطان، فغلب نهيه على
أمر ذلك الأدون - وهو السلطان - فلذلك سقط لزوم أمر هذا.
الدليل الرابع: أنه ليس في الأمر لفظة الوجوب، فلم تقتضه.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنا نقول لكم مثل ما قلتم لنا، وهو: إنه ليس
في الأمر لفظة الاستحباب فلم تقتضه - أيضا -.
الجواب الثاني: أنه ليس كل ما ليس فيه لفظ معنى لا يقتضيه
كالندب والوعيد والتهديد ليس هو في لفظة " افعل "، ومع ذلك
هي مقتضية له بقرينة تدل عليه.
المذهب الثالث: أن صيغة الأمر " افعل " إذا تجردت عن القرائن
تقتضي الإباحة حقيقة، ولا يحمل على غيرها من الوجوب أو
الندب إلا بقرينة.
وهو مذهب بعض الشافعية كما حكاه عنهم الأستاذ أبو إسحاق
في " شرح الترتيب ".
دليل هذا المذهب: أن درجات الأمر بالفعل ثلاث:
فأعلاها: الثواب على الفعل، والعقاب على الترك، وهذا هو
الو جوب.
وأوسطها: الثواب على الفعل، وعدم العقاب على الترك،
وهذا هو الندب.