وأدناها: عدم الثواب وعدم العقاب على الفعل والترك، وهذا
هو الإباحة.
فالثالث يفهم منه: جواز الإقدام على الفعل، وهو قدر مشترك
بين المراتب الثلاث، وهو: الإباحة، فهي إذن: درجة متيقنة.
أما الدرجتان الأولى والثانية - وهما الوجوب والندب - فإنه
مشكوك فيهما، فنحن نحمل الأمر على ما تيقنا منه، وهو:
الإباحة، ونترك ما شككنا فيه إلى أن ترد قرينة من خارج، فيكون
الأمر المطلق يقتضي الإباحة.
جوابه:
إنكم جعلتم - هنا - الإباحة من درجات الأمر، وهذا ليس
بصحيح؛ لوجود الفرق بين الإباحة والأمر من وجوه هي كما يلي:
الوجه الأول: الفرق من جهة التعريف، فتعريف الأمر يختلف
عن تعريف المباح، فقد عرفنا الأمر بأنه:
" استدعاء الفعل بالقول ... " - كما سبق - وعرفنا المباح بأنه:
" ما أذن اللَّه في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه "، فاتضح من ذلك:
أن الأمر طلب واستدعاء، بخلاف الإباحة فإنها إذن في الفعل
وإطلاق للفاعل من تقييده بأي شيء.
الوجه الثاني: الفرق من جهة وضع اللغة؛ حيث إن اللغة
وضعت لفظ " افعل " للأمر، ولفظ " لا تفعل " للنهي، ووضعت
عبارة: " إن شئت أفعل وإن شئت لا تفعل " للإباحة، فإنا بمعرفتنا
بوضع اللغة ندرك تفرقة بين هذه الصيغ والألفاظ: فلفظ: " افعل "
يقتضي طلب شيء، ويمنع من الإخلال بالمأمور به، ولفظ: " لا
تفعل " يقتضي النهي ويمنع من فعل المنهي عنه، ولفظ: " إن شئتْ