ودلالة العام قطعية، والظني لا يخصص القطعي، وبناء على ذلك
قالوا: أن متروك التسمية عمداً ليس بحلال، ولا يجوز أكله؛ أخذاً
بعموم الآية السابقة.
أما أصحاب المذهب الخامس فقد توقفوا في ذلك حتى يأتي دليل
يرجح أحدهما.
المسألة الثامنة: في تخصيص الكتاب والسُّنَّة بتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن التقرير يخصص العموم مطلقا، سواء كان
اللفظ العام ورد في الكتاب أو السُّنَّة.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الواحد على ذلك الفعل، وسكوته عن الإنكار دليل واضح
على جواز ذلك الفعل له، وإلا كان فعله منكراً، ولو كان كذلك
لاستحال من النبي - صلى الله عليه وسلم - السكوت عنه، وعدم النكير عليه؛ لأنه لا يحل له الإقرار على الخطأ، وهو معصوم، وإذا لم ينكر عليه كان سكوته دليلاً من أدلة الشرع، وهو مقابل بالنص العام، إذن هما
دليلان قد ثبتا، وحينئذ نقول: إما أن نعمل بكل واحد منهما، أو
لا نعمل بواحد منهما، أو نعمل بالعام ونترك الخاص، أو نعمل
بالخاص وما بقي بعد التخصيص، والثلاثة الأولى باطلة، فيصح
الرابع وهو: أن نعمل بالخاص وما بقي بعد التخصيص؛ جمعا بين
الدليلين كما سبق بيانه في الدليل الثاني من أدلة تخصيص الكتاب
بالكتاب.