أنه لما قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، فإنهم خصصوا هذه الآية بالإجماع على أن العبد يجلد
خمسين جلدة على النصف من الحر؛ قياساً على الأمة، وبيانه:
أن اللَّه تعالى قال: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) ، فهنا قد صرح بأن على الأمة
نصف ما على الحرة، فيقاس على الأمة العبد، فيكون عليه نصف ما
على الحر، وأجمعوا على هذا فخصص به قوله تعالى: (الزانية
والزاني..) ، فتكون الآية مخصصة بالإجماع، وقد يكون مستند
الإجماع غير ذلك القياس، لكن غير المجمعين لا يلزمهم البحث عن
هذا المستند، بل يكفيهم الإجماع على التخصيص.
الدليل الثاني: أن الإجماع أوْلى من عام الكتاب والسُّنَّة المتواترة؛
لأنهما نصوص، والنص قابل للتأويل، والإجماع غير قابل لذلك،
فيكون الإجماع أقوى، وحينئذ يخصص عام الكتاب والسُّنَّة
المتواترة.
تنبيه: لا يجوز تخصيص الإجماع بالكتاب والسُّنَّة المتواترة،
لاستحالة أن ينعقد الإجماع على خلاف الكتاب والسُّنَّة المتواترة.
***
المسألة العاشرة: في تخصيص الكتاب والسُّنَّة بمفهوم الموافقة:
لقد اتفق العلماء على أن مفهوم الموافقة - وهو: دلالة اللفظ
على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه وموافقته له - يخصص
العموم من الكتاب والسُّنة، وذلك لأن مفهوم الموافقة دليل خاص