أي: أنا لا نلحق المسكوت بالمنطوق إلا إذا عرفنا المعنى الذي
سيق الكلام لأجله، فإذا سبق إلى الفهم هذا المعنى، ومقصد
الشارع منه من غير تأمل طويل، فإنا نلحق المسكوت بالمنطوق.
أما إذا لم نعرف ذلك المعنى فلا يجوز ذلك الإلحاق إجماعا،
فمثلاً لو لم نعرف المعنى الذي سيق له الكلام في قوله تعالى:
(فلا تقل لهما أف) من كف الأذى عن الوالدين لما قضينا بتحريم
الشتم والضرب والقتل، فهنا قد اجتمعت أركان القياس، حيث إن
الأصل هو: التأفيف، والفرع: الضرب، والعلَّة: الإيذاء في
كل، والحكم: تحريم كل من القتل والشتم وغيرهاً من أنواع الأذى،
وهذا هو بعينه القياس، فتكون دلالة مفهوم الموافقة قياسية.
جوابه:
إنكم جعلتم دلالة مفهوم الموافقة دلالة قياسية، وهذا لا نسلمه؛
لوجود الفرق بينهما من وجوه:
االوجه الأول: أن المعنى المشترك بين المنطوق والمسكوت شرط
لغوي لدلالة المنطوق على المسكوت، فلا يلزم من وجود هذا المعنى
أن تكون الدلالة في محل النزاع دلالة قياسية، لأن قياس الفرع على
الأصل من حيث المعقول، لا من حيث اللغة، وهو بخلاف مفهوم
الموافقة كما قلنا.
الوجه الثاني: أن الدلالة في مفهوم الموافقة ثابتة قبل استعمال
القياس، فإن كل أحد يعرف اللغة: فإنه يفهم من قوله: " لا تقل
له أف "، لا تضربه، ولا تشتمه، ولا تقتله، ونحو ذلك من
أنواع الأذى، سواء علم شرعية القياس أو لا.
الوجه الثالث: أن الأصل في القياس أنه لا يجوز أن يكون جزءاً