فمن نظر إلى المعنى الذي هو مناط الحكم، والذي كان واسطة
إلحاق المسكوت بالمنطوق به يدرك بمجرد فهم اللغة دون حاجة إلى
استنباط واجتهاد: اعتبره من الدلالة اللفظية، وسماه مفهوم موافقة
أو دلالة نص، وهو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول.
ومن نظر إلى إلحاق المسكوت بالمنطوق على أنه إلحاق فرع بأصل؛
لاشتراكهما في عِلَّة جامعة سنهما: اعتبره من قبيل القياس الجلي،
وهو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثاني.
إذن: يكون الخلاف في التسمية، لا في المعنى، فيكون الخلاف
لفظياً.
جوابه:
أن من جعله من قبيل الدلالة اللفظية يقصدون أن مفهوم الموافقة
يعامل معاملة الألفاظ من حيث إنه ينسخ ويُنسخ به، وأنه أقوى من
القياس، أما من جعله من قبيل القياس، فإنهم يقصدون أن مفهوم
الموافقة يعامل معاملة القياس في أحكامه، فيكون الخلاف - على
هذا - خلافاً معنوياً.
المسألة الخامسة: هل مفهوم الموافقة له عموم؟
اختلف القائلون: إن دلالة مفهوم الموافقة دلالة لفظية في مفهوم
الموافقة هل له عموم؛ على مذهبين:
المذهب الأول: أن مفهوم الموافقة له عموم.
وهو مذهب بعض الحنفية كابن الهمام، وبعض الشافعية، وبعض
الحنابلة.
وهو الحق عندي؛ لأنه يُعامل معاملة الملفوظ به، والملفوظ به قد