نسب هذا إلى بعض الشافعية، وإلى بعض المتكلمين:
قلت: لقد بيَّنت في كتابي " الواجب الموسع عند الأصوليين " أن
كثيراً من الشافعية قد أنكروا أن يكون هذا في مذهبهم، وذكرت أن
الشافعية قد اختلفوا في السبب الذي من أجله عزي هذا إلى
مذهبهم، وأطلت الكلام عن هذا، وحققت القول فيه، فارجع إليه
إن شئت.
أدلة هذه الفرقة على أن الوجوب متعلق بأول الوقت:
الدليل الأول: قوله تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة
عرضها كعرض السماء والأرض) ، وقوله: (فاستبقوا الخيرات) ، وقوله: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض) .
وجه الدلالة: أن اللَّه قد أمرنا في هذه الآيات بالاستباق إلى الخير،
والمسارعة إليه، ولا شك أن فعل الواجب في وقته مسارعة واستباق
إلى الخير، فمن أخَّره عن أول وقته يكون مخالفاً لذلك الأمر.
جوابه:
يمكن أن يجاب عن ذلك بأن تلك الآيات الدالة على الاستباق
والمسارعة لا دلالة فيها على المطلوب، وذلك لأن دلالتها على
المسارعة والاستباق إلى أسباب المغفرة ثبت عن طريق الاقتضاء،
والمقتضى لا عموم له.
ولئن سلمنا أن للمقتضى عموما، فإننا لا نسلِّم أن هذا الأمر
للوجوب، بل هو للندب؛ لأمرين:
أولهما: الإجماع على ذلك.