ثم لو سلمنا أن تلك الاعتراضات على بعضها صحيحة، فإنه لا
يمكن أن يعترض عليها جميعها، ومن اعترض عليها جميعا، فإنه
معاند ومكابر، والمعاند والمكابر لا يعتد بقوله.
الدليل الثاني: أن العِلَّة الشرعية أمارة، وإذا كانت أمارة فلا بد
أن تكون كاشفة عن شيء ما، وهذا لا يتوفر في العِلَّة القاصرة،
لأنها لا تكشف عن الأحكام، فلا يصح أن تكون أمارَة، وعليه فلا
يصح أن تكون عِلَّة.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ أن العِلَّة لا تكشف عن شيء ما، بل تكشف عن المنع
من استعمال القياس، وعن الفوائد التي ذكرناها سابقا.
الدليل الثالث: أن العلَّة القاصرة غير معلومة من طريقة الصحابة
- رضي اللَّه عنهم - فلاً تثبت؛ لأن القياس وتفاريعه إنما يتلقى من
الصحابة، ويلزم من عدم المدرك عدم الحكم.
جوابه:
أن من استقرأ وتتبع ما نقل عن الصحابة، فإنه يجد أنهم - رضي
الله عنهم - اجتهدوا في التوصل إلى أحكام الشريعة وأحكامها،
وأسرارها بحسب الإمكان، والاطلاع على حكمة الحكم في الأصل
وقاسوا بسبب بعض العلل، وتوقفوا في الأخرى.
ثم إن كون الصحابة لم يعتبروا العلل القاصرة، ولم يكن ذلك
من طريقتهم لا دليل عليه، وما لا دليل لا يعتد به.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ حيث إنه لا أثر له في الفروع الفقهية، حيث