ومعرفته إياه بالاجتهاد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما ظن الحكم بالاجتهاد فإنه يقطع بكونه حكم اللَّه في الحادثة.
الدليل الثالث: لو جاز الاجتهاد للرسول - صلى الله عليه وسلم -: لأجاب عن كل واقعة سئل عنها، ولما انتظر الوحي؛ لأن الاجتهاد هو الوسيلة لمعرفة الحكم فيما لا قاطع فيه، لكنه - صلى الله عليه وسلم - توقف في اللعان والظهار، وانتظر الوحي، فهذا يدل على عدم جواز القياس.
جوابه:
إن توقف - صلى الله عليه وسلم - عن الاجتهاد في بعض الوقائع والحوادث
وانتظاره للوحي لا يلزم منه عدم تعبده بالاجتهاد في جميع الحوادث؛
لأنا لا نقول: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجتهد حال حدوث الحادثة، بل كان ينتظر الوحي، فإذا لم ينزل عليه وحي وخشي الفوات اجتهد.
وعلى هذا، فإنه يحتمل أن يكون تأخره بسبب السعة في الوقت.
ويحتمل أن يكون بسبب أنه لم ينقدح في ذهنه اجتهاد الآن.
ويحتمل أن يكون بسبب توقفه؛ حيث إن بعض المسائل لا تقبل
الاجتهاد، أو هي مما نهي فيه عن الاجتهاد.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هو إلا
وحي يوحى) .
وجه الدلالة: أن هذه الآية بينت أن كل ما ينطق به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يبقى للاجتهاد مجال، ولكان
الاجتهاد في حقه نطقاً عن الهوى المنفي عنه بالآية الكريمة، فالضمير
في قوله تعالى: (إن هو) يرجع إلى النطق المذكور في الآية في
ضمن قوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) وهو عام.