وقسم لم يرد من الشارع خطاب فيه بالتخيير، ولكن دلَّ دليل
السمع على نفي الحرج من فعله وتركه، فهذا عرف بدليل السمع،
ولولا وجود هذا الدليل الشرعي لعرف بدليل العقل نفي الحرج عنه،
حيث يبقيه على النفي الأصلي، فاجتمع في هذا القسم دليل السمع
والعقل.
وقسم لم يرد فيه خطاب صريح، ولا دليل من الشرع، أي: أن
هذا القسم لم يتعرض الشرع له لا بصريح لفظ الشارع، ولا هو
مفهوم من دليل من أدلة السمع، فهذا يجري فيه احتمالان:
الأول: أنه يحتمل أن يقال: لا حكم له؛ لأنه لم يرد فيه
خطاب صريح من الشرع، ولم يرد فيه دليل شرعي.
وهذا الاحتمال بعيد جداً؛ لأنه لا توجد حادثة إلا ولها حكم
شرعي.
الثاني: أنه يحتمل أن يقال: قد دلَّ السمع - بصورة عامة -
على أن ما لم يرد فيه طلب فعل ولا ترك، فالمكلف مخير فيه
أو بانعقاد الإجماع على ذلك، وهذا الدليل يعم جميع الأفعال التي
لا نهاية لها.
وعلى هذا لا يبقى فعل إلا وقد دلَّ عليه من جهة الشرع فتكون
إباحته من الشرع.
المذهب الثاني: أن الإباحة ليست بحكم شرعي.
ذهب إلى ذلك بعض المعتزلة واحتجوا على ذلك بقولهم: إنه لا
معنى للمباح إلا انتفاء الحرج من فعله وتركه، وهذا ثابت قبل ورود
الشرع، وهو مستمر بعده، وعلى هذا لا يكون حكماً شرعياً.