بيان نوع الخلاف:
لقد بيَّنت في كتابي " الخلاف اللفظي عند الأصوليين "، وفي
كتابي " إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر ": أن الخلاف في
هذه المسألة لفظي لا ثمرة له؛ ودليل ذلك:
أنه إن أراد أصحاب المذهب الثاني بالمباح: ما لا حرج في فعله
ولا في تركه لا غير، أو أرادوا بالحكم الشرعي الحكم الذي يخالف
حكم العقل الذي كان ثابتا قبله: فالمباح ليس حكما شرعيا.
وإن أرادوا بالمباح: ما أُعلم فاعله أو دُل بطريق شرعي على أنه لا
حرج في فعله أو تركه، أو أرادوا بالحكم الشرعي خطاب اللَّه المتعلق
بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير: فالمباح حكم شرعي؛ وذلك
لأن الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالتخيير أعم من أن يكون ذلك
على وجه التقرير، أو على وجه التغير.
فلم تتوارد أقوال أصحاب المذهبين على محل واحد، فلا خلاف
في المعنى.
المسألة الخامسة: حكم الأفعال والأعيان المنتفع بها قبل ورود
الشرع بحكمها:
لقد اختلف العلماء في هذه المسألة على مذاهب:
المذهب الأول: الإباحة أي: أن الأفعال والأعيان المنتفع بها قبل
ورود الشرع بحكمها:. مباحة: إن شاء المكلف انتفع بها واستعملها،
وإن شاء تركها لا ذم ولا مدح لفاعلها ولا لتاركها.
ذهب إلى ذلك أكثر الحنفية، وبعض الحنابلة كأبي الحسين التميمي