فإذا لم نجد ورود الشرع في عين بحظر، ولا إباحة، فليس أمامنا
إلا التوقف؛ لأن طريق الإباحة الإذن ولم يوجد، وطريق التحريم
المنع ولم يوجد، والعقل لا مدخل له في الأحكام الشرعية، فلا
يحرم شيئاً ولا يبيحه بمجرد استحسانه أو استقباحه، فنتوقف فيها
حتى يرد الشرع ببيان حكمها.
جوابه:
يمكن أن يجاب عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول: أنا نسلم بأن العقل لا يحظر شيئاً ولا يبيحه بعد
ورود الشرع، وخلافنا في هذه المسألة قبل ورود الشرع، ولا يمنع أن
نقول: إنه قبل ورود الشرع يمكن للعقل أن يحظر ويبيح إلى أن يرد
الشرع ويمنع ذلك.
الجواب الثاني: أنه يمكن معرفة حكم تلك الأشياء قبل ورود
الشرع عن طريق آخر، وهو: الشرائع السابقة؛ إذ لا يخلو زمن
من شرع.
فإذا ثبت ذلك فليس للعقل مدخل في التحريم والإباحة، بل
يكون ذلك للشرائع.
وهذا الجواب أقوى من الأول، والله أعلم.
المذهب الثالث: الحظر والتحريم، أي: أن الأفعال والأعيان
المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها: محرمة.
ذهب إلى ذلك بعض الحنفية، وابن أبي هريرة، وأبو بكر
الأبهري، والحسن بن حامد، وتلميذه أبو يعلى، والحلواني.