ترك الحركة، فالأمر بالسكون طلب واحد، هو بالإضافة إلى
السكون أمر، وبالإضافة إلى الحركة نهي.
ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر الباقلاني في أول أقواله، وتبعه
على ذلك بعض المتكلمين.
وبنى هؤلاء مذهبهم على أساس أن الأمر لا صيغة له، وإنما هو
معنى قائم بالنفس، فالأمر - عندهم - هو نفس النهي من هذا
الوجه، فاتصافه بكونه أمراً ونهيا كاتصاف الكون الواحد بكونه قريبا
من شيء بعيداً من شيء آخر.
جوابه:
يمكن أن يجاب عنه بأن يقال: إن مذهبكم هذا مبني على أن الأمر
بالشيء نهي عن ضده من طريق اللفظ، وهذا غير صحيح؛ لأن
العرب فرقت بين لفظ الأمر، ولفظ النهي، فجعلت لفظ الأمر
موضوعا للإيقاع والحث على الفعل، ولفظ النهي لنفي الفعل،
وطلب الترك، فلم يجز أن يجعل أحدهما للآخر كما لا يجوز ذلك
في الخبر.
المذهب الثالث: أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده: لا بمعنى
أنه عينه، ولا بمعنى أنه يتضمنه، ولا بمعنى أنه يلازمه.
ذهب إلى ذلك بعض الشافعية كالغزالي، وروي عن القاضي أبي
بكر الباقلاني، وجمهور المعتزلة.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن صيغة الأمر تختلف عن صيغة النهي، فصيغة
الأمر " افعل " وصيغة النهي " لا تفعل "، فلا يجوز أن تكون صيغة
أحدهما مقتضية للآخر.