ثالثا: ولا خلاف بين العلماء في أن الكفار مكلَّفون بالعقوبات
كالحدود والقصاص.
وبعض العلماء يعبر عما سبق بقوله: أجمع العلماء على أن
الكفار مخاطبون بخطاب الوضع مثل اعتبار جناياتهم سببا في وجوب
عقوباتهم عليهم، ولذلك تقام عليهم الحدود عند تقرر أسبابها،
كما يعتبر وقوع عقودهم على الأوضاع الشرعية سببا لترتب آثارها
عليهم كالبيع، والنكاح، ونحوهما، كما يعتبر الإتلاف منهم سببا
لوجوب الضمان عليهم.
والسبب في تكليفهم بالمعاملات: أن المعاملات قصد بها الحياة
الدنيا، فالكفار بها أنسب؛ لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة.
والسبب في تكليفهم بالعقوبات: أن العقوبات قصد بها الزجر
عن ارتكاب أسبابها، والكفار أحق بالزجر وأوْلى به من المؤمنين.
رابعا: أن ما عدا ما ذكرنا من فروع الشريعة كالصلاة، والصوم،
والحج، والزكاة، وإيقاع طلاقه، وعتقه، وظهاره، وإلزامه
بالكفارات، ونحو ذلك، فقد اختلف العلماء هل الكفار مكلَّفون
بها أو لا؟
أي: إذا أمر الشارع بفعل شيء أو نهى عن فعل شيء،
واستعمل لفظا شاملاً وعاما، فهل يدخل الكفار في هذا الخطاب
فيكونون مكلَّفين بما كلِّف به المؤمنون؟
اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أنهم مكلَّفون بفروع الشريعة مطلقا،
أي: بالأوامر والنواهي.
ذهب إلى ذلك: الإمام مالك، وهو ظاهر مذهب الشافعي،