ومعلوم أن الصريح مقدم على غير الصريح.
الدليل الثالث: أن اللَّه عَزَّ وجَلَّ كلَّف أبا جهل بالإيمان، وأمره
به، ومن الإيمان تصديق اللَّه تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر
الله عن أبي جهل أنه لا يؤمن، فقد صار مكلَّفا بأنه لا يؤمن،
ومكلَّفا بأنه يؤمن، وهذا هو التكليف بالجمع بين الضدين وهو
محال، فجاز تكليف ما لا يطاق.
جوابه:
يجاب عنه: بأن تكليف أبي جهل غير مستحيل؛ لأمور ثلاثة:
الأول: أن الأدلة النقلية والعقلية على صدق ما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - منصوبة، وموجودة وظاهرة لا لبس فيها.
الثاني أن أبا جهل له عقل حاضر، وفهم للخطاب.
الثالث: أن أبا جهل يستطيع أن يفعل ما كلف به من غير أن يمنعه
أحد فهو من - رؤساء الكفار.
وهذه الأمور جعلت تكليف أبي جهل غير مستحيل، وممكن أن
يؤمن، لكن علم اللَّه تعالى في علمه الأزلي أن يترك أبو جهل ما
يقدر عليه، وهو: " ما كلف به من الإيمان "، وذلك حسداً
للرسول - صلى الله عليه وسلم - وعناداً، وإذا علم اللَّه سبحانه أنه لا يؤمن صار عدم إيمانه معلوما، فلن يؤمن أبداً؛ لأن العلم يتبع المعلوم المقرر، ولا يمكن أن يغيره بأي حال.
مما يؤيد ذلك: أن اللَّه تعالى قادر على أن يقيم القيامة في وقتنا
هذا، وإن أخبر أنه لا يقيمها الآن - حيث جعل لها علامات -
ويترك إقامتها مع القدرة على ذلك، وخلاف خبره سبحانه مستحيل.