المسألة الثالثة: المراد من المحكم والمتشابه اصطلاحا:
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن المتشابه هو: ما ورد من صفات اللَّه تعالى في
القرآن مما يجب الإيمان به، ويحرم التعرض لتأويله وتفسيره،
والتصديق بأنه لا يعلم تأويله إلا اللَّه تعالى كوصفه سبحانه بالاستواء
الوارد في قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ، واليد
الوارد في قوله: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ، واليدين الوارد في قوله:
(بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) ، والعين الوارد في قوله: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) ،
والوجه الوارد في قوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ) ، وغير ذلك من
الصفات التي اتفق السلف على إقرارها، وإمرارها على ما هي عليه،
وترك تأويلها كما قال الإمام مالك - رحمه اللَّه - لما سئل عن
الاستواء الوارد في الآية السابقة -: الاستواء معلوم، والكيف
مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فلا يتعرض لهذه
الصفات بتأويل، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تحريف.
أما المحكم فهو ما أمكن معرفة المراد بظاهره، أو بدلالة تكشف
عنه، أو بأي طريق من طرق المعرفة.
ذهب إلى ذلك كثير من العلماء.
وهو الصحيح عندي، لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
وجه الدلالة: أن اللَّه ذم المبتغين لتأويل المتشابه ووصفهم بأنهم