غيرهم فيؤمنون بالتشابه ويقومون بتفويض معناه إلى اللَّه تعالى، دل
على ذلك قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) ، فكأنه قال: " وأما الراسخون في العلم فيقولون "، ولو
كان الراسخون في العلم يعلمون ويفهمون تأويل المتشابه لما خالفوا
القسم الأول في ابتغاء التأويل ولكانوا قسماً واحداً.
الخلاصة: أن اللَّه تعالى قسمهم إلى قسمين: قسم اتبع ما تشابه
من الكتاب يبتغون تأويله، فذمهم اللَّه تعالى، وقسم آمنوا بالمتشابه
وفوضوا معرفته إلى اللَّه، وأن ما يعلم تأويل المتشابه إلا هو سبحانه
وتعالى، فهؤلاء مدحهم، وهذا يدل على أن الوقف على قوله:
(إِلَّا اللَّهُ) .
الوجه الثالث: قول الراسخين في العلم: (آمنا به) يدل دلالة
واضحة على أنهم فوضوا علم المتشابه إلى اللَّه تعالى، وسلموا ذلك
إليه سبحانه، وبينوا أن ذلك من علم الغيب الذي استأثر اللَّه بعلمه،
فيدل ذلك على أن الراسخين في العلم لم يدركوا معنى المتشابه،
فمعنى قوله: (آمنا به) أي: صدقنا به؛ لأن الإيمان هو التصديق،
ولم يقل: والراسخون في العلم يقولون: علمنا به.
الوجه الرابع: قول الراسخين في العلم: (كل من عند ربنا)
بعد قولهم: (آمنا به) ؛ حيث إن ذلك يقوي ذلك التفويض،
والتسليم لأمره وإن لم يعلموا معناه.
والمراد من ذلك: أن الراسخين في العلم قالوا: إن المحكم الذي
أدركنا معناه، وفهمنا المراد منه، والمتشابه الذي لم نفهم معناه، ولم
ندرك المراد منه كلاهما من عند اللَّه، فنحن نؤمن بهما معاً، دون أن