أما الرفع في نسخ الكتاب فهو مقدر؛ حيث إن الكلام المنقول
بالكتابة لم يكن مستفاداً إلا من الأصل، فكان للأصل بالإفادة
خصوصية، فإذا نسخت الأصل ارتفعت تلك الخصوصية، وارتفاع
الأصل والخصوصية سواء في مسمى الرفع.
وهذا المذهب هو الحق عندي، لسلامته من المجاز، ومن
الاشتراك اللفظي اللذين هما على خلاف الأصل، بيان ذلك:
أن المجاز خلاف الأصل، لأنه يحتاج إلى قرينة عند استعمال
المعنى المجازي تمنع من استعماله في المعنى الحقيقي، بينما الحقيقة لا
تحتاج إليها، لأن الأصل في الكلام الحقيقة.
كذلك الاشتراك اللفظي خلاف الأصل، لأن الأصل عدم تعدد
الوضع، ولأن الاشتراك اللفظي يحتاج إلى قرينة ترجح أحد معنييه.
فيكون النسخ يطلق على الإزالة والنقل حقيقة بالاشتراك المعنوي،
لأنه لا يحتاج إلى قرينة، فإذا دار اللفظ بين الاشتراك اللفظي
والاشتراك المعنوي قدم الاشتراك المعنوي، لأنه هو الأصل، لأن
الأصل عدم تعدد الوضع ولعدم احتياجه إلى قرينة، وإذا دار اللفظ
بين الحقيقة والمجاز قدمت الحقيقة، لأنها هي الأصل، والمجاز
خلاف الاءصل.
المذهب الثاني: أن النسخ يطلق حقيقة على الإزالة، ويطلق على
النقل مجازاً.
ذهب إلى ذلك كثير من العلماء، ومنهم: فخر الدين الرازي،
والبرماوي وغيرهما.
دليل هذا المذهب:
أن النسخ مستعمل في إطلاقين هما: "الإزالة" و " النقل "،