الخطاب وهو يعلم بأنه سيسقطه عن العباد بعد مدة من الزمان، فهو
سبحانه علم أن مصلحة العباد تقتضي هذا الحكم في هذا الزمان بعينه
وهو مفسدة لهم في زمن ثاني، فلما انتهى الزمن الأول رفع ذلك
الحكم عنهم، وهذا ليس ببداء.
الجواب الثالث: أن اللَّه سبحانه خلق الخلق على صفات مختلفة،
فخلق الإنسان على صفة ثم نقله إلى صفة أخرى؛ حيث إنه خلقه
طفلاً ثم رجلاً ثم شيبة، فإذا كان يفعل ذلك وهو لا يسمى بَداءً،
فإن ما نحن فيه مثله، حيث إنه أنزل علينا حكما فعملنا به مدة، ثم
نقلنا إلى حكم آخر فلا يسمى ذلك بَداء.
الدليل الثاني: قالوا: إن خطاب اللَّه تعالى قديم، والقديم لا
يصح رفعه، لأن الرفع نقل وإزالة وتغيير، وكل ذلك محال على
القديم.
جوابه:
نجيب عنه: بأنه ليس معنى النسخ رفع الخطاب نفسه، بل المراد
بالنسخ: رفع وقطع تعفُق الخطاب بالمكلَّف؛ قياسا على المكلف إذا
طرأ عليه طارئ مثل: أن يصاب بجنون، فإن تعلق الخطاب بهذا
المكلف يزول بسبب هذا الطارئ، ثم إذا زال الجنون وأصبح قادراً
على القيام بما كلف به عاد إليه تعلق الخطاب به، فالخطاب نفسه لم
يتغير، حيث إنه باق على ما هو عليه من حيث ذاته، فالجنون
- مثلاً - سبب من جهة المخاطب بقطع تعلق الخطاب عنه.
فكذلك النسخ سبب من جهة المخاطب بقطع تعلُّق الخطاب بهؤلاء
المكلَّفين.
الدليل الثالث: قالوا: إن تحديد النسخ بالرفع يؤدي إلى تناقض