للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولاتفاق الفريقين - أيضاً - على أن الحكم المتأخر اللاحق لا بد أن

يكون منافياً للأول؛ وأن وجوده يتحقق عدم الأول.

ولاتفاق الفريقين - أيضاً - على أنه ليس كل الأحكام مؤقتة في

علم اللَّه، وأنه ليس كل الأحكام مؤبدة، فلا يمكن لأحد الفريقين:

أن يجزم بأنها مؤبدة، أو مؤقتة مطلقاً؛ فلا يستطيع أحد أن يقول:

إن الخطاب المطلق في علمه تعالى كان مقيداً بالدوام، أو يقول:

كان ذلك الخطاب مخصصا ببعض الأزمنة.

ثم إن أصحاب التعريف الثاني - وهم القائلون: إن النسخ بيان -

قد جوَّزوا نسخ الحكم المؤقت قبل مجيء وقته - كما سيأتي بيانه -

وهذا لا يمكن إلا إذا كان رفعاً.

فالحكم الشرعي له عمر عند اللَّه تعالى مقدّر، وأجل معين،

والله تعالى يعلم هذا الأجل، فإذا جاء ذلك الأجل أنزل حكما

اَخر، وارتفع الحكم الأول، فالحكم المنسوخ قد مات بأجله، وذلك

بإماتة اللَّه تعالى له، وبيان وظهور الإماتة ليس إلا بهذا الرفع.

فيكون في حق صاحب الشرع بيان محض لمدة الحكم المطلق الذي

كان معلوماً عند اللَّه تعالى، إلا أنه أطلقه، فصار ظاهر البقاء في

حق البشر، فكان تبديلاً - في حقنا، بيانا في حق الشارع.

أو تقول - في تعليل كون الخلاف لفظيا -: إن القائلين بأن

النسخ رفع يثبتون معه بيانا، وأن القائلين بأن النسخ بيان يثبتون معه

رفعاً؛ وذلك لأن القائلين بأنه بيان لا ينازعون في أن الحكم المنسوخ

كان قبل النسخ ثابتا، وهو بعد النسخ غير ثابت، وإنما أنكروا رفعا

يناقض الإثبات ويجامعه.

والقائلون بأن النسخ رفع لا ينازعون في أن المكلَّفين كانوا على