رابعا: طرق معرفة الناسخ من المنسوخ المختلف فيها:
الطريق الأول: قول الصحابي: " هذا الخبر منسوخ "، أو
قوله: " كان الحكم كذا ثم نسخ "، أو نحو ذلك هل يثبت به
النسخ؛ لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يثبت النسخ بهذا الطريق.
ذهب إلى ذلك الجمهور، وهو الصحيح؛ لأن قول الصحابي
هذا يحتمل أن يكون قد صدر عن اجتهاد، فيظن غير الناسخ ناسخا
وأن غير الرافع رافعاً، فلا يمكن أن نترك ما تيقنا من ثبوته وهو خبر
الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أجل كلام يدخله الاحتمال قد يصدق، وقد لا يصدق.
ثم إن قول الصحابي اختلف في حجيته، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حجة إجماعاً، فلا نترك الحُجة إجماعاً وقطعا بالمختلف في حجيته؟
حيث إن قول الصحابي لا يسلم على سل حال، بل لا بد من النظر
فيه والتأكد منه، ولهذا لما نقل عن طائفة من الصحابة قولهم:
"نسخ السح بآية الوضوء التي نزلت في المائدة "، لم نسلم ذلك،
بل أجمعنا على أن هذه الآية غير ناسخة لها؛ لأنه ليس في الآية ما
يدل على النسخ.
المذهب الثاني: أنه يثبت النسخ بهذا الطريق.
ذهب إلى ذلك الحنفية.
دليل هذا المذهب:
أن الصحابي العدل الثقة إذا قال: إن هذا الخبر منسوخ، فإنه لم
يقله إلا عن علم بالتأريخ والتعارض؛ فإن المراد عنده معلوم بمشاهدة