القرائن، فحكمه بالنسخ عن بصيرة، والصحابي غير متهم،
فوجب الرجوع إلى ما قاله وقبوله كما يقبل منه الخبر الذي رواه عن
النبي - صلى الله عليه وسلم -.
جوابه:
يجاب عنه: بأن هناك فرقاً بين روايته لخبر عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وبين دعواه للنسخ، وهو: أننا قبلنا روايته للخبر وعملنا به نظراً
لثبوت عدالته والوثوق به، وكونه قد شاهد التنزيل؛ ولأن الشريعة
تؤخذ عن طريقه، فلو أننا لم نقبل الأخبار التي ينقلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ثبت في الشريعة شيء.
أما دعوى النسخ فهو متعلق بالاجتهاد والنظر، وهو في ذلك غير
معصوم، فلو وجب قبول قوله في ذلك لوجب قبول قوله في مسائل
الاجتهاد - كلها - وهذا ليس بصحيح.
الطريق الثاني: كون أحد النصين المتعارضين مثبتا في المصحف
بعد النص الآخر، هل يثبت به النسخ؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن المتأخر في الترتيب لا ينسخ المتقدم في الإثبات
في المصحف، وهو مذهب الجمهور، وهو الصحيح؛ لأن ترتيب
الآيات في المصحف ليس على ترتيب النزول، بل قد يكون المتقدم
في الترتيب متأخراً في النزول كما في آيتي عدة المتوفى عنها زوجها
فقد قال تعالى في سورة البقرة، الآية الرابعة والثلاثين بعد المائتين:
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ، وقال في الآية الأربعين بعد المائتين من نفس السورة:
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)