الخمس، فثبت أن هناك طرقا أخرى تدرك بها العلوم غير الحواس
الخمس.
بيان نؤع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ لأن السُّمَنية ومن وافقهم لا ينكرون وقوع
العلم من المتواتر في الجملة، لكنهم لم يضيفوا وقوعه إلى مجرد
الخبر، بل إلى قرينة، ووقوع العلم عن القرائن لا ينكره عاقل.
***
المسألة الثانية: هل العلم الحاصل بالمتواتر ضروري أو نظري؟
لقد اختلف أصحاب المذهب الأول - من المسألة السابقة، وهم
القائلون: إن المتواتر يفيد العلم فيما بينهم - في هذا العلم الذي
أفاده المتواتر هل هو علم ضروري أوَّلي قد حصل للسامع بلا نظر
واستدلال، أو هو نظري لم يحصل إلا بعد اكتساب واستدلال؟
اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن العلم الحاصل بالمتواتر ضروري.
ذهب إلى ذلك الجمهور.
وهو المختار عندي؛ فالعلم الحاصل بالمتواتر قد علمناه. بالضرورة
من غير نظر ولا استدلال، فيضطر العقل إلى تصديقه، والعمل
بمقتضاه بدون حاجة إلى دليل أو قرينة.
والمراد بالعلم الضروري هو: ما يعلمه المكلف ويلزمه - من غير
نظر واستدلال - لزوماً لا يمكنه دفعه عن نفسه بشك ولا شبهة،
كالعلم الحاصل بما تواترت به الأخبار من ذكر الأمم السالفة والبلاد
النائية، والعلم الحاصل بالحواس الخمس، والعلم الحاصل